In In Arabic - بالعربي

د. خالد منتصر ـ

الجماهير التي انطلقت للتحطيم والحرق لمجرد سماعهم بنية بناء كنيسة في قرية ،ينتفضون بكل حماس لمجرد علمهم بإقامة صلاة في أحد البيوت ورعبهم وفزعهم من أن يتحول هذا البيت إلى كنيسة، هم نفس الجماهير المأنتخة الكسولة التي تعاني من البطالة حتى ولو أبواب الرزق مفتوحة، وينامون نصف يومهم ويستعدون للنوم في النصف الثاني. هي نفس الجماهير التي تتناول الترامادول وتبلبع أدوية الكحة وتحرق الأستروكس. هي نفس الجماهير التي لو طلبت من أحدهم مليماً تبرعاً لبناء وحدة صحية أو تجديد مدرسة يرفض أو يدعى الصمم، أما عندما تدعو واحداً منهم لبناء مسجد في قرية بها عشرون مسجداً آخر يقتطع من أرضه عن طيب خاطر قراريط ويدفع نصف ثمن المحصول بكل الرضا والحبور من أجل بنائه.

يرضى أن يجلس ابنه على بلاط الفصل في المدرسة التي بدون نوافذ أو يوافق على أن تلقى زوجته في ممرات المستشفى بجانب دورات المياه لتعلق المحلول أو تتناول الدواء، بحجة أنه يدفع ويتبرع لبيت ربنا لكنه لا يدفع ولا يتبرع لبيت بنى آدم!

المواطن القابل للاشتعال بمجرد رؤية صليب أو سماع ترنيمة، والقابل للاشتغال من خطيب جمعة محرض أو داعية تليفزيوني مكفّر (الكل يشعلونه ويشتغلونه)، إنه نفس المواطن المتآلف مع أطنان جبال القمامة أمام منزله، المتعايش مع محيطات وبرك الإفرازات الآدمية والحيوانية التي تتسلل من أسفل باب بيته، الذي أحياناً بلا باب أو سقف، لكنه لا يتآلف ولا يتعايش ولا تحتمل أعصابه المرهفة الحساسة همس صلاة جاره القبطي.

يحتمل تلوث قمائن الطوب ودخان حرق القش وأتربة وطين شوارع ضيقة خانقة بدون أسفلت، يطنش عن سرقة سواق التوكتوك له، ويهمل دجل من يفك له الأعمال ومن تقرأ له الطالع ومن يخدعونه بعلاج عقم زوجته بالأوراد والأذكار والقطنة المبللة والتبرك بالمساخيط!، ويتغافل عن البقال الذى يغش في الميزان ويزيف تواريخ الصلاحية والجزار الذى يبيعه لحم الحمير النافقة والفكهاني الذى يسرقه عيني عينك بالحمضان والعفن والمسوس!، ويمنح كل ثروته للمستريح بتاع أسوان ويبيع بيته وأرضه له عشان قال له انه شاف السيدة زينب في المنام ، ويشرب من بركة صرف صحي لعلاج أمراضه الجلدية لأنها بلاعة متوصلة بمسجد!!

لكنه في نفس الوقت غضنفر تظهر أنيابه ومخالبه وتنتفض شعيرات لحيته بمجرد علمه عن فلان عن فلان عن علان عن ترتان أن هناك مسيحياً أثناء حلمه تفوه بكلمة كنيسة! هو نفس المواطن الذى يقترض بالربا ويتسول بالإلحاح حتى يمنح كل تحويشة العمر للسمسار الذى سيشحنه في قارب خربان ليتركه في عرض البحر مع مائة حالم آخر بالذهاب إلى الشاطئ الآخر حيث الدول الصليبية الكافرة!، وحين يصل بعد أن ألقى بجثث زملائه الحالمين للأسماك محتفظاً ومتشبثاً بحقيبته التي بها خرقه وهلاهيله، يبدأ في الصياح والصراخ مطالباً بإعانة البطالة وبناء مسجد ووضع ميكروفون والصلاة في عرض الشارع ونهر الطريق!، لكن المدهش أنه لا يجرؤ هناك في تلك الدول الكافرة على مجرد النظر بامتعاض إلى باب كنيسة ليلاً بل يطلب العمل فيها نقاشاً أو نجاراً أو حتى جامع قمامة ما دام اليورو يتكلم والإسترليني يتعطف!

لا تسألوني عن عدد الهمج المتظاهرين الذين حطموا بيوت لمجرد أنهم سمعوا أن مسيحيين اجتمعوا للصلاة فيه وسيحولونه لكنيسة، ولكن أسالوني عن الثقافة الطائفية المجتمعية التي أفرزتهم، لا تسألوني عن خسائر أهل القرية بعد التكسير والتخريب والحرق، لكن أسالوني عن خسائر الوطن وانكسار القلوب وحرق مساحات التفاؤل التي سكنت القلوب بعد تعيين سيدة قبطية في منصب المحافظ.

معركة الدولة المدنية طويلة، ووأد الفتنة الطائفية يحتاج أمناً ثقافياً لا أمناً مركزياً فقط، ولا بد أن نعرف أن وظيفة الحكومات ليست إدخال مواطنيها إلى فسيح الجنات وإنما إلى صحيح وسعيد الحيوات، ولا بد من تفعيل القانون لا العرف، ويجب علينا أن نكف عن استخدام عبارة اشتباكات طائفية لنستخدم عبارة جرائم جنائية، وبدلاً من انشغال رجال ديننا في توضيح أن الصوت الإسكندراني الصادر عن الأنف احتجاجاً هو من قبيل الكبائر، وأن الشطاف يبطل الصيام وضرب الزوجة مباح بحيث لا تكسر ضلوعها …الخ.

بدلاً من كل تلك الحماقات فلنحتشد لبناء الدولة المدنية بجد، وتفعيل المواطنة بحق وحقيقي، وهجر مصطلحات تجاوزها الزمن مثلما تم تجاوز عبودية الرق والإماء، مصطلحات الولاء والبراء والجزية والذمي والكافر…. إلخ، ولنتبَنّ شعار «فلتعبد حجراً أنت حر، ولكن لا تقذفني به».

https://www.facebook.com/dr.khaledmontaser

#مواطن_ينتفض_لكي_يهـ٨دم_كنيسة_لجيرانه_ولاينتفض_لبناء_مدرسة_لأولاده

Recent Posts

Leave a Comment