In In Arabic - بالعربي

أميرة المصري (*) ـ خاص ـ

لا يمر أسبوع دون أن تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع القبطية خبرا حول اختفاء فتاة مسيحية دون مقدمات، وتبدأ شائعات تصل لأسرتها حول تحولها للإسلام، وفي أحيان كثيرة تكون تلك الفتاة قاصرا. ليفتح الأمر تساؤلات عدة حول كونها جريمة تنقصها الشفافية، وحول كيفية تعامل الأمن معها ورغبته في حل الأزمة من عدمه، وهو ما سيتطرق له هذا المقال من خلال جزأين.

***

عادة ما تستقبل الأسر اتصالات، إما من الفتاة المختفية نفسها، أو من أشخاص أخرين حول تغيرها لديانتها، وهنا تؤكد أغلب الأسر أن الواقعة تحيط بها شبهات الاختطاف وليس الاختفاء، خاصة وأنه لا توجد أي شواهد قبل الوقائع حول نية المختفيات أو المختطفات لتغيير الديانة، وهو ما يزيد شكوك الأسر أن تلك المكالمات أو الرسائل أو حتى مقاطع الفيديو التي يتداولها البعض أحيانا حول إشهار إحدى المختفيات إسلامها، تأتي تحت التهديد.

 في 30 يوليو الماضي، أعلنت أسرة مريم سمير فايز التي تبلغ من العمر 25 عاما، من محافظة العريش، وتعمل معيدة وتعد رسالة الماجستير الخاصة بها بجامعة المنوفية، تغيبها عن المنزل بعد توجها لموقف سيارات المرج بمحافظة القاهرة للعودة لمنزلها، في تمام السابعة والنصف صباحا.

قال والد الفتاة، إن ابنته أخبرته في اتصال هاتفي إنها في طريقها للعودة للمنزل، ثم انقطع الاتصال، فتوجه لقسم الشرطة لتحرير محضر باختفائها، وحينها تلقى اتصالا من أحد الأشخاص يخبره بأنه ابنته حولت ديانتها للإسلام، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك شواهد تدل على رغبتها في تغير ديانتها، وهو ما دفعه للشك بأنها ليست بخير.

بعد أيام، ظهرت مريم في مقطع فيديو وهي ترتدي الحجاب وتنطق الشهادتين مع شخص يدعى محمود داوود يعرف نفسه على أنه باحث في مقارنة الأديان، تؤكد أنها ليست مخطوفة وليست مجبرة على دخول الإسلام، وقالت “أنا مش مخطوفة ولا حد جابرني على حاجة، والفترة الجاية حابة إني أعيش في سلام، ولا حد يقول مخطوفة زي اللي سمعناه كتير جدا، أنا خارجة من البيت مقتنعة ومقررة، أنا خرجت يوم 29 على أساس إني رايحة جامعة المنوفية وكده بعمل الماستر بتاعي هناك، يوم 30 روحت مجمع البحوث الإسلامية وأشهرت إسلامي هناك”.

وتابعت “كلمت أهلي علشان أطمنهم عليا وكده، انا كلمت أهلي وبابا قريب مني جدا فطبيعي إن أنا أكلمه فعيطت، سمعت صوته فعيطت من قلقه وكده فطبيعي إن أنا عيطت، كنت أشهرت إسلامي بالفعل، يوم ما كلمته كان 3 أغسطس، وأنا أشهرت إسلامي يوم 30 يوليو، ومش مخطوفة ومش لسه هشهر إسلامي، يعني مش مخطوفة ولا كنت تحت تهديد سلاح ولا أي حاجة من ده، بعد كده كلمته تاني فقالي يعني إنت مبسوطة من اللي بتعمليه وكده، قلت له أه أنا الحمد لله مبسوطة، قبل ميقفل معايا قالي ده رقمك، أو أنا عايز رقم أتواصل معاكي منه، قلت له الرقم ده معايا وأنا هتواصل معاك وهطمنك”.

وبعد انتشار الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومعه صورة إشهار إسلام الفتاة، دوّن عدد من المستخدمين للمواقع مطالبات بعودة الفتاة، واتهموا جماعات تسعى لأسلمة الفتيات القبطيات بإجبارها على التحدث في الفيديو، لتظهر الفتاة بعد أيام من انتشار الفيديو في الكنيسة بصحبة المحامي نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، ليؤكد أنها عادت لأسرتها ولأحضان الكنيسة. وقامت أسرة الفتاة بتصويرها داخل كنيسة العذراء كريم في مسطرد، وهي لا ترتدي الحجاب، وأظهروا الصليب على يدها، مؤكدين أنها لا تزال مسيحية، ولم تغير ديانتها كما قالت في المقطع السابق.

مصطلح الخطف الذي يتردد مع وقائع اختفاء القبطيات، لا يشير إلى الخطف بمعناه المعروف فقط، ولكنه يشمل الإجبار والاستغلال والابتزاز، وأيضا الاستهداف والإغواء والاستباحة والإخفاء والتربص وغيرها، وجميعها مصطلحات تندرج تحت التعبير الأكبر، والتي يتم استخدامها دوليا أيضا.

الواقعة المذكورة تحمل العديد من الأسئلة حولها، عند عودة الفتاة للكنيسة وظهورها، إذ ينفي هذا ما تردد حول دخولها الإسلام، وربما يؤكد شكوك أسرتها حول إجبارها على الأمر. وبالرغم من تعامل الجهات الأمنية مع البلاغات التي قدمت من الأسرة، إلا أنه لم تخرج معلومات عمّا حدث أو عن حقيقة الأمر، من قبل الجهات الأمنية، أو من قبل الأسرة، وهو ما يفتح أبوابا عدة للتساؤل، لن تغلق سوى بمعلومات واضحة عن خلفية ما حدث، وضرورة معاقبة المخطئ أو المتورط إن وجد.

بعد عودة الفتاة، خرج داعية يعرّف نفسه على أنه أحد علماء الأزهر الشريف، يشكك في عودتها، ويتهم هو الآخر المسيحيين بإجبارها على ترك الإسلام، وقال إن هذا يتنافى مع الحقوق والحريات التي تنادي بها منظمات وجمعيات حقوق الإنسان.

الدستور المصري يكفل حرية الاعتقاد للجميع، وهو ما تسعى إليه المجموعات الحقوقية وتعمل من خلاله، ولكن عند تعرض الشخص للإجبار على شئ يخالف قناعاته، هنا يجب توضيح الأمر، ومحاسبة المتورط على هذا الإجبار، فإن عادت مريم للكنيسة برغبة حقيقية منها، هنا يصبح من نشر وعمل على بث مقطع الفيديو الذي ظهرت خلاله تعلن إسلامها، مزوًّرا، أو أن الفيديو تم تحت ضغط أو ترهيب. والعكس أيضا، إن كانت دخلت للإسلام برغبة حقيقية منها وبإرادة حرة، يصبح الطرف الآخر هو المخطئ: أجهزة الدولة التي تلجأ إليها الأسر في تلك الحالات هي القادرة على هذا الأمر، لكشف الحقيقة بشفافية، عند متابعتها للبلاغات ومع الوصول للفتيات، وهو ما لم يحدث ليستمر الأمر كأزمة لا تنتهي، حتى مع ظهور الفتيات.

قبل مريم وبعدها هناك العديد من الحالات المشابهة، فمثلا في 20 يونيو الماضي، تغيبت الطبيبة القبطية سالي نسيم عن منزلها، وبدأت الأسرة مطالبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإرسال الاستغاثات للمطالبة بعودتها، وقالت شقيقتها إنها كانت قد أخبرت أسرتها أنها ستتجه من أسوان للقاهرة لحضور محاضرات لاستكمال رسالة الدكتوراه الخاصة بها، وكانت على اتصال يومي بالأسرة، حتى تلقت الأسرة اتصالا منها تخبرهم فيه أنها غيرت ديانتها للإسلام، ولم تتلقى الأسرة مكالمات جديدة منها، مشيرة إلى أنه لم تكن هناك أي مشاكل أو ظواهر تدل على أنها ترغب في تغيير ديانتها، كما أنهم لا يعلمون حقيقة الأوراق المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تزعم تغيير ديانتها.

منظمة التضامن القبطي، رصدت منذ بداية العام الحالي، وحتى كتابة هذا التقرير 12 حالة لاختفاء فتيات وسيدات، من مناطق ومحافظات مختلفة، عادت منهم 10 حالات ولا تزال حالتان مختفيتان. وتراوحت مدد الاختفاء في الحالات التي عادت لأسرها ما بين أيام لثلاثة أشهر. مع العلم بأن تلك هي الحالات التي استطاعت الأسر خلالها الإبلاغ أو تم النشر عنها، مع وجود حالات أخرى لا تتمكن الأسر من الإعلان أو الإبلاغ خوفا من الوصم الاجتماعي.

ما يؤكد السطور السابقة، حديث البابا تواضروس، في عظة روحية، مساء الأربعاء، 13 إبريل 2022، بالمقر البابوي بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وطلبه من الأجهزة الأمنية بالضبط الدقيق لكل ما يُنشر في الصحف أو يذاع في القنوات أو البرامج أو على صفحات السوشيال ميديا حول حالات الاختفاء وحالات الخطف والتي تحتاج إلى شفافية نظرًا لحساسيتها وهي التي تؤثر سلبًا على تماسك ووحدة الوطن، والأمر يحتاج إلى وقفات جادة، بحسب قوله. إن كان هناك استهداف حقيقي للسيدات القبطيات باعتبارهم أقلية، فهنا لا بد من توضيح الأمور ومعاقبة المتورطين، مع التأكيد على أن كل شخص من حقه الاختيار الحر في اعتناق ما يريد من أديان (أي لا يقتصر الحق على «دين معيّن»، دون إجبار)، لتكون الحرية موازية للشفافية في نقل المعلومات، وتوضيح الحقائق، خاصة وأنها ظاهرة ليست وليدة السنوات الحالية، بل هي مستمرة منذ عشرات السنوات وتحتاج لتدخل مستمر أيضا، لتتكون المواطنة الحقيقية غير المنقوصة

صحفية وباحثة(*)

Recent Posts

Leave a Comment