In In Arabic - بالعربي

النهار العربي ـ لندن ـ بيروت ـ

عادت إلى واجهة السجالات في مصر أخيراً قضية قديمة – جديدة عنوانها “إشهار إسلام” قبطيات بعد اختفائهن، وهي القضية التي لطالما غذّت نعرات طائفية يؤكد مختصّون أنها تثار من حين إلى آخر بغية تعزيز الانقسام المجتمعي من جماعات متطرفة تريد التذكير بوجودها.

مصادر عدة تؤكد أن غالبية حالات التحول من المسيحية إلى الإسلام في مصر، هي لفتيات وسيدات مسيحيات من الطائفة القبطية الأرثوذكسية التي تشكل نحو 95 في المئة من المسيحيين في مصر، ومعظمهن في مقتبل العمر، وينتمين لمناطق في الصعيد أو الأرياف، وهي أماكن ينظر للمرأة فيها على أنها تمثل “شرف” العائلة. 

وإلى جانب أن المساس بالنساء في الصعيد والأرياف يعتبر انتهاكاً لكرامة الأسرة، ما قد يستفز مشاعر الأقباط القاطنين هناك، وكتلة كبيرة من المسيحيين في هذا البلد، فإن تلك المجتمعات شهدت استقطاباً طائفياً مكثفاً، على مدار العقود الماضية، من قبل تيارات الإسلام السياسي التي روجت لخطاب ديني ينبذ الآخر ويحرض عليه، ما جعلها بيئة مجهزة لإشعال المشاحنات والفتن الطائفية.

وتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرات عدة عن ضرورة تجديد أو إصلاح الخطاب الديني، ما أثار حفيظة الإسلاميين وكذلك التيار المحافظ داخل المؤسسات الدينية الرسمية، والتي نجحت تيارات الإسلام السياسي في اختراقها خلال العقود الماضية. 

مزاج سلفي

ويحذر محللون وسياسيون من المزاج السلفي الذي تشكل بسبب الخطاب المشبع بالفتن والكراهية للآخر، وبات يطغى على أفكار قطاع كبير من المصريين، بمن في ذلك بعض العاملين في أجهزة الدولة الرسمية، ما يعوّق محاسبة المسؤولين عن استقطاب الفتيات القبطيات، لا سيما القاصرات منهن.

وتقول الكاتبة الصحافية المتخصصة في الشأن القبطي أسنات إبراهيم لـ”النهار العربي” إن “التعامل مع القاصرات بشكل خاص يطرح العديد من علامات الاستفهام، فتلك الفتيات اللاتي لا يزلن في مرحلة الطفولة، وليست لهن أهلية قانونية تسمح لهن بإشهار إسلامهن قبل بلوغ 18 عاماً، يتم اخفائهن حتى يصلن السن القانونية، ثم يظهرن للعلن بعد ذلك وهن يعلنّ تغيير معتقدهن”.

ويقول النائب البرلماني المصري السابق الدكتور عماد جاد في رسالة مفتوحة وجهها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن “مؤسسات الدولة لا تزال تحمل فكر (الرئيس المصري الراحل أنور) السادات، هواها سلفي كما قال الراحل وحيد حامد، وهذا الهوى إذا ما استمر سيفجر مصر”.

ويرى جاد الذي يعمل مستشاراً لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، أن هناك خيارين أمام المصريين: “إما مصر دولة مدنية حديثة، دولة لكل مواطنيها، أو فوضى واضطراب واحتراب أهلي وانقسام رأسي على أساس الدين”. 

ويؤكد كتاب ومؤرخون أن الرئيس السادات كان سبباً رئيسياً في صعود تيارات الإسلام السياسي في مصر، وكان هدفه من ذلك هو استغلال تأثيرها الشعبوي لمحاربة معارضيه من التيار الشيوعي. وخلال حكمه وفي العقود التالية له، حدث تغير واضح في المزاج المصري، وتحول التدين من الفطرة والتسامح، إلى الميل للأفكار الوهابية التي روجها دعاة تيارات الإسلام السياسي بكثافة كبيرة.

ويشير متخصصون في حركات الإسلام السياسي إلى أن تلك الجماعات التي قامت باغتيال الرئيس السادات في “عملية الجهاد الكبرى” عام 1981 – بعدما حاول الحد من تمددها وتقليص تأثيرها الشعبي – تهدف إلى الوصول إلى السلطة في المقام الأول.

وكجزء من سعيها لتحقيق هذا الهدف فإنها تستغل العواطف الدينية المتجذرة في المجتمع المصري، لإضعاف النظام الحاكم، ومن ذلك إثارة الفتن الطائفية مستخدمة تلك العواطف التي تصبح جياشة مع إعلان شخص غير مسلم دخوله الإسلام، والترويج لهذا الإعلان بصورة مكثفة و”استعراضية”، تستقطب المسلمين من جهة، وتستفز مشاعر كتلة كبيرة من الأقباط، الذين يشعرون بطعنة مزدوجة في “الشرف” و”الدين”، ما يجعل الأمر أشبه بقنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة، إنْ لم تتعامل معها أجهزة الأمن والجهات المعنية بحيطة وحذر شديدين.

وكشفت تحقيقات رسمية حديثة مع القائم بأعمال مرشد جماعة “الإخوان المسلمين” محمود عزت، أن الجماعة التي تأسست في عام 1928 تمتلك اقتصاداً ضخماً داخل مصر وخارجها، وأشارت بعض التقديرات إلى أن حجم هذا الاقتصاد يصل إلى نحو 300 مليار جنيه مصري.

ويؤكد متخصصون أن التيار السلفي يملك اقتصاداً لا يقل حجمه عن ما يملكه “الإخوان” وربما يتجاوزه. وتحصل تلك الحركات على أموالها بشكل أساسي من الصدقات، والزكاة، واشتراكات أعضائها، وتمويلات ضخمة من الخارج، إضافة إلى عوائد استثمار فوائض تلك الأموال. 

واستغلت تلك التنظيمات قدراتها المالية الضخمة في تمويل أنشطتها الاجتماعية والسياسية، والمسلحة أحياناً، ما يعطيها تأثيراً كبيراً في المجتمع، وإن كانت الحكومة المصرية عملت على محاصرة أموال تلك الجماعات بعد إطاحة “الإخوان المسلمين” من سدة الحكم في 30 حزيران (يونيو) 2013، لكن رغم ذلك لا يزال التيار السلفي في مصر يتحرك بحرية كبيرة، بعد تملصه من شراكته مع الجماعة، وتأييد قياداته للثورة عليها. 

إشهار استعراضي

“ميرفت” سيدة مسيحية لديها حالتان في أسرتها لفتاتين أعلنتا إسلامهما ثم عادتا إلى المسيحية مرة أخرى، تحدثت لـ”النهار العربي” شريطة عدم ذكر اسمها الحقيقي، تجنباً للحرج داخل أسرتها، حسبما أوضحت.

وتقول السيدة القبطية: “إن الطريقة الاستعراضية التي يتم إشهار الإسلام بها، من خلال مقاطع فيديو تبث على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن الأمر لا يتعلق بالانتقال من عقيدة دينية إلى أخرى عن دراسة واقتناع، ولكن الهدف الواضح هو إثارة غضب الأقباط، وعائلات الفتيات التي تشعر بأن شرفها قد طعن، وأن الأمر تحول إلى فضيحة ألحقت العار بهم”.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، سجالات محمومة وحالة من الغضب بسبب اختفاء بعض النساء المسيحيات، أشهرهن مريم وهيب وهي سيدة شابة متزوجة، من محافظة أسيوط، ظهرت وهي تشهر إسلامها في مقطع فيديو أثار العديد من التساؤلات، بسبب ملامحها التي يعتليها الحزن، وظهور صوت طفلة تصرخ بصوت مرتفع في الخلفية، يقول مقربون منها إنها ابنتها.

وإلى جانب مريم نشر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات تطالب بعودة فتاتين قاصرتين، وهما مهرائيل صبحي من منطقة شبرا الخيمة في القاهرة، وسيمون عادل من منطقة الوراق في محافظة الجيزة. 

وبينما يؤكد البعض أن تلك الفتيات “يتم اختطافهن”، تقول “ميرفت”: “لست مع هذا الطرح، أن ما حدث مع قريبتيّ، وحالات أخرى تابعتها عن قرب، كان محاولة لاستغلال ظروف تلك الفتيات والنساء الشابات، واللعب على مشاعرهن”. 

وتضيف السيدة القبطية: “هناك أشخاص يستدرجون تلك النساء من باب الحب، أو الحاجة إلى المال، أو الرغبة في التخلص من زوجها، الذي تجد صعوبة في الطلاق منه، سواء بسبب أسرتها، أو اللوائح الكنسية التي تجعل الأمر بالغ الصعوبة، لذا تتجه إلى تغيير دينها كوسيلة للتحايل على تلك القيود”.

ويقول الصحافي نادر شكري مدير تحرير موقع “أقباط متحدون”: “إن كاهناً مزيفاً أخد اسم كاهن من الجيزة وصورة لكاهن من أسيوط، ودخل ليتحدث إلى البنات القبطيات، ويحاول معرفة أسرارهن”. 

وحذر الصحافي في منشور على صفحته الشخصية بموقع “فايسبوك” من الحديث إلى أي شخص غير معلوم أو صفحة لمجرد أن اسمها قبطي، واعتبر أن هذا “نوع من السذاجة” ويتم استغلاله في استدراج الفتيات.

سيناريو متكرر

تقول الصحافية إبراهيم: “هناك موجة تحدث كل عام مع بدايات الصيف، خلال شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، ولكنها بدأت مبكراً هذا العام في شهر نيسان (أبريل)”.

وتشير إلى أن “الأعداد كانت أكبر في الماضي، خصوصاً ما بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وكذلك في عامي 2014 و2015، ورغم تكرار تلك الحوادث، إلا أنه لا توجد معلومات واضحة حول الجهات أو الأشخاص المتهمين، لأنه لا يوجد تحقيق رسمي انتهى إلى إدانة شخص أو جماعة أو جهة بعينها”.

المعلومات التي تخرج من الأهالي، حسبما تقول أسنات “هي أن هناك أطرافاً مرتبطة بالتيار السلفي أو جماعة “الإخوان المسلمين” تقف خلف هذه الوقائع”.

وتطرح الكاتبة تساؤلاً: “لماذا هناك موسم محدد يعلن فيه الأشخاص إسلامهم، خصوصاً أنهم من مناطق متفرقة في مصر، ما علاقتهم ببعضهم، ولماذا يحدث هذا خلال شهر أو شهرين محددين؟ هذه أمور كلها تحتاج إلى دراسة وفهم”.

وحول الأسباب الخاصة بالسيدات والفتيات، تشير أسنات إلى أن “بعضها يرتبط بخلافات وأزمات زوجية ورغبة في الطلاق، وأخرى تكون الفتاة قد تعلقت بشاب ورغبت في الارتباط به. وبالنسبة للأزمات المتعلقة بالطلاق، فقد اختلف الأمر في حقب باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: كان في عهد البابا كيرلس لدينا اللائحة 38، وكانت تتضمن الكثير من الأسباب التي تبيح الطلاق، وعندما جاء البابا شنودة، ألغى هذه اللائحة تماماً، ومن ثم صار الطلاق أمراً صعباً”.

 وتعبر الكاتبة الصحافية عن استغرابها “بالنسبة لحالات الفتيات الصغيرات، سواء المتزوجات حديثاً أو اللاتي لم يرتبطن، لأن الموضوع يتم بالطريقة ذاتها تقريباً في كل مرة: فتاة تتعلق عاطفياً بشخص مسلم، سواء كان لعب على مشاعرها، أو أحبته بالفعل، ثم تذهب معه وتختفي”. 

تؤمن أسنات بحرية الاعتقاد، وتقول: “نحن لا نجد أن الفتيات قمن بدراسة العقيدة، وتوصلن من خلال البحث أن بها مشكلة، ومن ثم قررن الانتقال إلى ديانة أخرى، لو كان الأمر كذلك لقلنا إنها حرية اعتقاد، وكل إنسان حر في اختيار عقيدته، لكن الأمر ليس كذلك، إن الموضوع لا يتعلق بالدين، إنه أمر عاطفي بالدرجة الأولى”.

وعن سبب أن غالبية حالات إشهار الإسلام بين الأقباط تكون من النساء، ترى الكاتبة الصحافية أن السبب هو “أنهن عاطفيات، ويبدو أن هناك منهجاً (ناجحاً) يتبعه الأشخاص الذين يقومون باستقطابهن، لأن كل الحالات التي رصدناها تتبع المسار نفسه، ولا يمكن أن يكون هناك توارد للخواطر أو شيء من هذا القبيل”. 

لا تتذكر أسنات التي تغطي الملف المسيحي منذ سنوات أن “هناك حالة من تلك الحالات كانت اختطافاً، ولكنها كما عبر عنها بعض الأساقفة “إنها حالة اختطاف فكري“، وكان في السابق توجد جلسات نصح وإرشاد، وكانت الفتيات تغيرن آرائهن خصوصاً إذا تعهد الأهل بعدم التعرض لهن أمام الجهات الأمنية والكنسية، لكن تلك الجلسات توقفت، ومن ثم بات الأمر مؤلماً بالنسبة للأهل الذين يجدون بناتهم اختفين فجأة، وقد لا يوجد أمل في رؤيتهن مرة أخرى”.

_______________________

https://www.annaharar.com/arabic/news/arab-world/egypt-sudan/18042022102900131?fbclid=IwAR2mU44FeARYSeyMWedJ1txI2141iGhXJtVUVh8fCrGrRONViK8LHTJcm78
Recent Posts

Leave a Comment