شِهادة أمام لجنة توم لانتوس لحُقوق الإنسان
“مصر: حُقوق الإنسان بعد سبع سنوات من الثّورة”
6 ديسمبر 2017
أودُّ أن أشكر الرّئيسيْن المُشاركيْن، النّائبيْن هولتغرين وماكجفرن، على استضافتهما لهذه الجلسة المُهمّة بشأن حالة حُقوق الإنسان في مصر، وإنّني لمُمتن لأجل إتاحة الفُرصة لأطلعكم اليوم على تقييمنا للوضع الحالي للأقباط في مصر.
في كانون الثّاني / يناير 2011، خرج المصريّون إلى الشّوارع في انتفاضة شعبيّة أسقطت نظام مبارك الاستبدادي الفاسد والّذي دام ثلاثةَ عقود. لقد تواجد الأقباط بشكل كبير في هذه الانتفاضة وكانت لديهم آمالٌ عريضة مثل باقي المصريّين في إنشاء مصر جديدة؛ مُجتمع مدني علماني منفتح حيث يتساوى جميعُ المواطنين المصريّين أمام القانون، مُتمتعين بالحُريّة في تحقيق تطلعاتهم الشّخصيّة واتّباع معتقداتِهم بضميرٍ حُر.
أمّا الآن، وبعد مرور سبع سنوات سادها الاضطراب، فإنّ هذه الآمال أصبحت بعيدة المنال أكثر من أيِّ وقت مضى، ذلك إن لم يكن اليأس قد حلَّ محلها بالفعل. وفي الوقت الرّاهن، فإنَّ وضع الأقباط تحت حكم الرّئيس السّيسي هو أسوأ مما كان عليه في عهد مبارك[1].
مُنذ البداية، كان القصد من رد الفعل الوحشي للجيش المصري في 9 أكتوبر / تشرين الأوّل 2011 (والّذي أسفر عن إصابة 321 شخصًا، وقتل 28 مُتظاهِرًا قبطيًا سِلميًا إذ دُهِسَ كثيرون منهم تحت عجلات مُدرّعات الجيش فيما يُعرف الآن باسم “مذبحة ماسبيرو”) هو توصيل رسالة واحدة: أنّه ليس من المفترض أن يكون للأقباط صوتٌ سياسيّ في مُستقبل مصر. في تلك المجزرة، وضع الجيش المصري نموذجًا لهجمات إرهابيّة لاحقة في أوروبا حيث تمَّ استخدام الشّاحنات لقتل المدنيّين السّلميّين.
ثم شَهِدَ الحُكم قصير الأمد للإخوان المسلمين في مصر (والّذي استمر لمُدّة سنة واحدة فقط) زيادةً في الاعتداءات على الأقباط؛ على أشخاصهم ومُمتلكاتهم وكنائسهم، من قبل الإسلاميّين المُتعصِّبين. والأهم من ذلك أنّنا رأينا، ولأوّل مرّة في التّاريخ الحديث، حشدًا من الغوغاء مُثيري الشّغب يقومون بتسلُّق جدران الكاتدرائيّة المرقُسيّة بالعباسيّة القاهرة، حيث يُقيم البطريرك القبطي. ولقد حدث ذلك تحت سمع وبصر قُوّات الأمن المركزي الّتي لم تُحرِّك سَاكِنًا.
إنّ الانتفاضة الشّعبيّة الثّانية، وتدخل الجيش بقيادة الفريق أوّل عبد الفتّاح السّيسي الّذي كان وزيرًا للدفاع آنذاك، أنهيا حُكم الإخوان المسلمين وأنعشا آمال الوطن والأقباط. وعلى الرّغم من أنّ هذه الانتفاضة الشّعبيّة السّاحقة قد شهدت خُروج ملايين المصريّين إلى الشّوارع، فقد تمَّ استخدام الأقباط مرّة أخرى ككبش فداء، وتمَّ كذلك استهدافهم بشكل خاص بسبب دعمهم للفريق السيسي، فأصبحوا هدفًا لغضب الإخوان المسلمين العارم. وتمَّ حرق أو تدمير أكثر من مائة وعشرة كنيسة ومُؤسَّسة قبطيّة في أغسطس 2013، وقد وصف النّائب اللورد ألتون من ليفربول بالمملكة المتحدة هذه الوقائع بأنّها بمثابة المُعادل المصريّ لأحداث “كريستالناشت”.
ومُنذ انتخابه رئيسًا، سعى السّيد عبد الفتّاح السّيسي إلى اتخاذ تدابير استبداديّة مُتزايدة لتعزيز سُلطته، فتمَّ إسكات المعارضة السّياسيّة بأكملها، والسّيطرة على وسائل الإعلام، وسَجْن النّاشطين في مجال حُقوق الإنسان، كما أنّه فشل في حماية الأقليات الدّينيّة، ناهيك عن إنهاء التّمييز المنهجي والمُنظَّم لكي يصبحوا مواطنين متساوين. علاوة على ذلك، تعرَّض الأقباط لمزيد من الاعتداءات خلال حُكم السّيسي أكثر من ذي قبل، كما أشار السّيد بهي الدّين حسن[2] من مركز القاهرة لدراسات حُقوق الإنسان.
وهُنا، أود أن أؤكد أنَّ مُنظَّمة التّضامن القبطي الّتي أُمثِّلها ليست جهة مُعارضة سياسيّة للرئيس السّيسي، بل هي إحدى جِهات المُجتمع المدني الفاعلة الّتي تدعو إلى وُجود نظام يسمح للأقباط والأقليّات الأخرى في مصر بالحُصول على حُقوقهم المُتساوية جنبًا إلى جنب مع سائر المواطنين الآخرين. وأود أيضًا أن أُضيف أنَّنا نُؤيِّد تأييدًا كاملًا الجُهود المبذولة لمُكافحة الإرهاب الإسلامي، ولكننا نُحذِّر -بنفس القدر- من أن غالبيّة العُنف المُوجَّه ضد الأقباط هو نِتاج محليّ ينبُع من داخل الوطن، وهو نتيجة مُباشرة لسياسات رديئة ساعدت بشكل كبير على إنتاج التّطرُّف الإسلامي ذاته الّذي يقول الرّئيس السّيسي إنّه يُكافحه. في الواقع، وكما قال ببلاغة الدّكتور فؤاد عبد المنعم رياض، عضو المجلس الوطني لحُقوق الإنسان في مصر والقاضي السّابق في المحكمة الجنائيّة الدّوليّة ليوغوسلافيا السّابقة: “إنّ الخطر الحقيقيّ الّذي يُهدِّد وُجود مصر ليس الإرهاب بل التّعصب الإجرامي ضد جزء أصيل من الأمة المصريّة، وعدم جديّة الدّولة في منعه”[3].
منذ أن بدأ السّادات عمليّة أسلمة مصر في السّبعينيّات من القرن الماضي، تعرّض الأقباط لهذه الموجة الحديثة من الاضطهاد. والأقباط المسيحيّون جُزءٌ أصيل من السّكان الأصليّين في مصر، وهُم يُمثِّلون 10-12٪ من مجموع السّكان، ويبلغ عددُهم أكثر من عشرة مليون نسمة. ومع ذلك، ليس لديهم أي حزب سياسيّ أو هيئة لتمثيلهم والدّفاع عن مصالحهم وتطلُّعاتهم. ولهذا، ففي غياب البدائل، لم يتبقَ إلا الكنيسة لكي تقوم بتمثيلهم أمام السُّلطات. ومن المُؤكَّد أنّ هذا الوضع هو في صالح الدّولة، الّتي نجحت على مدى التّاريخ في استمالة، إن لم يكن في إجبار، قادة الكنيسة على الخُضوع للنظام. إنّ إنكار قيادة الكنيسة الحاليّة لتعرُّض الأقباط للاضطهاد أو التمييز على الرّغم ممّا يحدث هو مثال صارخ لهذا الخُضوع. لقد قدَّم كُلٌّ من البطريرك القبطي البابا تواضروس الثّاني والقس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيليّة بمصر رسائلَ إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي الّذين زاروا مصر في فبراير/ شباط 2017، واشتملت هذه الرّسائل على مزاعم باطلة مفادها أنّ “سياسات السّيسي الّتي تدعم المُجتمع المسيحيّ في مصر ليس لها مثيل من قِبَل أي زعيم مصريّ عبر التّاريخ”. وأعلن كلاهما أنّ وضع المسيحيّين في مصر قد تحسَّنَ، على الرّغم من الأدلّة الّتي تُثبت عكس ذلك، وهو ما سأُحاول أن أوضِّحه بعد لحظات. ويخضع قادة الكنيسة بالفعل لضُغوط شديدة من قبل وسائل الإعلام الّتي تُسيطر عليها الحكومة[4] استعدادًا لزيارة نائب الرّئيس الأمريكي مايك بينس الوشيكة لمصر، وذلك لكي يسلكوا بشكل “وطنيّ” من خلال إنكار تعرُّض المسيحيّين المصريّين لأيّ اضطهاد.
حرب استنزاف
في واقع الأمر، يتعرَّض الأقباط للهُجوم بطُرُق عديدة بداية من التّمييز المُؤسَّسي اليومي والمنهجي إلى التّرويع والإرهاب غير المُتواصل مثل تفجيرات الكنائس الّتي تتسبَّب في إصابات كبيرة. وفي حين أنّ الطّبيعة الدّراميّة للهجمات الإرهابيّة تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام، فإنَّ أكثر الضّرر ينتُج عن التّمييز والاضطهاد والمُضايقات الّتي تحدُث بشكل عادي ويومي والّتي تترك آثارًا وخيمة، وهذه المُمارسات لا تحصُل على أي اهتمام أو إدانة من جانب وسائل الإعلام. إنَّ هذا التّمييز المُترسِّخ له دور لا يقل شناعةً في تحطيم عزائم الأقباط والوُصول بهم إلى حالة من الخُنوع واليأس، وهو وراء الارتفاع الهائل في مُعدّلات هجرة الأقباط من وطنهم.
إنَّ الهيمنة الخانقة والمُتزايدة للإسلاميّين على الحياة بمصر، بمُساعدة نَشِطة من مُؤسَّسات الدّولة، قد أغلقت تقريبًا السّاحة الاجتماعيّة العامّة أمام كُلّ ما هو غير إسلامي. وتُمارس الدّولة التّمييز المنهجي والمُنظَّم ضد الأقباط – وهو مبدأ راسخ في مفاهيم الشّريعة الإسلاميّة القديمة الخاصّة بـ “الّذميّة” الّتي تنُصّ على أنّه ينبغي على الأقليّات غير المُسلمة الخُضوع لمجموعة من الظّروف المُهينة أو حتى المُنهكة في مُقابل قدر ضئيل من التّسامح، أمّا المُساواة فهي أمر غير وارد على الإطلاق.
دعونا ننظر إلى بعض الجوانب الرّئيسيّة لما يُواجهه الأقباط اليوم
(1) المُساواة
إنَّ الأقباط مُمثَّلون تمثيلًا ناقصًا على نحو كبير في جميع المُؤسَّسات الحكوميّة والعامّة. ويقتصر عدد الأقباط الّذين يتم قُبولُهم في الأكاديميّات العسكريّة والشّرطة، والوظائف القضائيّة، والسّلك الدّبلوماسي، والمناصب الأكاديميّة الجامعيّة على نسبة واحد إلى اثنيْن في المئة، وهي بمثابة سقف غير مرئي لا يُمكن تجاوزه. وليس هناك وُجود بالمرّة للأقباط في القطاعات “الحسّاسة” مثل أمن الدّولة[5] وأجهزة الاستخبارات الأُخرى، أو المناصب القياديّة بالجيش أو رئاسة الجمهوريّة. أمّا نظام الحُكم المحلي برمّته فخالٍ فعليًا من الأقباط، فليس هناك مُحافظ واحد أو حتى نائب محافظ قبطي. كما لا يُوجد قبطي واحد في منصب رئيس جامعة عامّة أو عميد لكليّة. وقد أُسند للأقباط منصبٌ أو اثنان من المناصب الرّمزيّة بمجلس الوزراء -حاليًا منصب واحد فقط صغير (وزير بلا حقيبة وزاريّة لشؤون “المُهاجرين المصريّين”).
توصي مُنظَّمة التّضامُن القِبطي مصر على الإسراع بما يلي:
أ) سن مواد دستوريّة تُرسِّخ المُساواة بين جميع المُواطنين المصريّين أمام القانون وتحظر التّمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدّين.
ب) دمج الأقباط في جميع مُؤسِّسات الدّولة المصريّة. ضمان أن يشغل الأقباط ما لا يقل عن 10 في المائة من الوظائف بجميع الهيئات التّشريعيّة والتّنفيذيّة والقضائيّة والعسكريّة والتّعليميّة والسّلك الدّبلوماسيّ والشّرطة، بما يتناسب مع نسبتهم من مجموع السّكان، وذلك بتطبيق تدابير “التمييز الإيجابي”.
ج) إزالة بند الانتماء الدّينيّ من بطاقات الهويّة وجميع الوثائق الرّسميّة.
(د) إنشاء لجنة مُستقلة دائِمة لرصد ومُكافحة التّمييز، على النّحو المنصوص عليه في الدّستور المُعدَّل لعام 2014.
(2) حُريّة الضّمير أو الدّيانة أو الاعتقاد
لقد ثبت أنَّ قانون بناء الكنائس الجديد الّذي صدر في أيلول / سبتمبر 2016، والّذي أشادت به حُكومة السّيسي على أنّه إنجاز إيجابي، كان معيبًا بشكل خطير. وكما قال السّيد بهي الدّين حسن من مركز القاهرة لدراسات حُقوق الإنسان في كلمته في مؤتمر مُنظَّمة التّضامن القبطي الأخير[6]: “في عهد الرّئيس السّيسي، أصبح الأقباط، ولأوّل مرّة في تاريخ مصر الحديث، مُعترَفًا بهم رسميًا وقانونًا باعتبارهم ‘طائفة’ وليس كمُواطنين متساويّين، وذلك من خلال إقرار قانون بناء الكنائس وإسقاط مطلب المصريّين الجماعيّ طويل الأجل بإصدار ‘قانون موحد لدور العبادة’”.
إنَّ إقرار هذا القانون الّذي لا يضع الكنائس على قدم المساواة مع المساجد[7]، يحافظ على العقبات القديمة[8] الّتي حالت دُون بناء الكنائس. وما زالت عشرات الكنائس مُغلقة من قبل أمن الدّولة بلا داعِ وإنّما فقط بغرض تحقيق رغبات الإسلاميّين الأُصوليّين.
إنَّ الغالبيّة العُظمى من قُرى مصر ليس بها كنائس، كما أنَّها تفتقر إلى تراخيص البناء. ويتم القبض على الأقباط بداعي “الصّلاة بدون تصريح” إذا تجرّأوا على التّجمُّع في منزل خاص. وقد تمَّ مُؤخّرًا إغلاق أربعة كنائس قبطيّة أرثوذكسيّة من قِبل قُوّات أمن الدّولة في المنيا في صعيد مصر “لعدم وجود تصريح”. ومن قبيل المُفارقة أنّ وزير الأوقاف المصري (الشّؤون الإسلاميّة) قد تباهى[9] في العاشر من نوفمبر بأنّه “في الأربعين يومًا الماضيّة فقط قد تمَّ افتتاح حوالى مائتي مسجدًا تمَّ بناؤها حديثًا”.
وهناك جانبٌ آخر من أشكال التّمييز الدّيني هو التّصريح الإجباري بالانتماء الدّيني للفرد في جميع الإجراءات الرّسميّة، بما في ذلك بطاقة الهُويّة الوطنيّة أو العُقود التّجاريّة أو سِجّلات المُوثِّقين العُموميّين أو حتى طلبات عُضويّة الأندية. وهذه التّدابير، الّتي تحظرها الاتّفاقيات الدّوليّة، تفتح الباب، بطبيعة الحال، أمام المُمارسات التّمييزيّة.
وتُوصي مُنظَّمة التّضامن القبطي بما يلي:
أ) نَظرًا لأنّ قانون بناء الكنائس الجديد يشوبُه الغُموض والتّعقيدات البيروقراطيّة، ومع استمرار نُدرة الكنائس في جميع أنحاء البلاد، يجب أن يكون هناك معيار واضح، مثل المُوافقة على بناء عدد مُعيَّن من الكنائس سنويًا، في حال كان العدد الإجمالي للطلبات المُعتمدة للحُصول على تصاريح للكنائس قاصرًا.
(3) ثقافة الكراهيّة
إنّ الحكومة في مصر تعمل بهِمّة على فرض الإسلام السّني على المجال العام بدرجة خانقة بغرض الحُصول على الدّعم الشّعبي. وهذا يُؤدي إلى استبعاد أولئك الّذين لا ينتمون إلى الأغلبيّة السّنيّة المُسلمة، والحط من شأنهم، وجعلهم أهداف طبيعيّة للكراهية.
إنَّ الخُطب في المساجد في جميع أنحاء مصر أو الّتي تُذاع من خلال التّلفزيون والرّاديو يغمرها خطاب الكراهيّة ضد غير المُسلمين. وتُشير الشّخصيات الدّينيّة، بدءًا من شيخ الأزهر، إلى المسيحيّين واليَهُود بوصفِهم “كُفّار” وهُم يعلمون تمامًا أنّه وفقًا للشريعة الإسلاميّة، فإنّ هذا التّصنيف ليس مُجرّد تصنيف فقهيّ ولكنه بمثابة رخصة لقتل الكُفّار، أو على الأقل لاضطهادهم.
إنّ الهجوم البشع الّذي وقع مؤخّرًا على مسجد في سيناء واستهدف المُسلمين الصّوفيّين، الّذين يُمارسون شكلًا رُوحانيًا مُتصوِّفًا للإسلام، والّذي يُعتبر هرطقة من قبل السّلفيّين السُّنّة، هو بمثابة جرس إنذار أنّ ثقافة الكراهية ليست لها حدود.
وتتخلّل المناهجَ المدرسيّة الإلزاميّة الّتي وضعتها وزارة التّربية والتّعليم مفاهيمٌ وأفكارٌ تغرس التّحيز ضد غير المسلمين وتشجِّع عليه. وبغض النّظر عن المُقررات الدّينيّة، فإنّ هذا هو الوضع، على الأخص، بالنّسبة لمناهج اللغة العربيّة حيث تكثُر النّصوص الإسلاميّة في هذه المُقرَّرات، بما في ذلك النّصوص القرآنيّة، وبعضها يستهين بشكل واضح بالمُعتقدات المسيحيّة الأساسيّة، ويُطلب من الطُلّاب غير المسلمين قراءتها واستظهارها. وهذه الدّروس تُعزِّز أيضًا الفكرة القائلة بأنّ المناصب القياديّة يجب أن يتولّاها المسلمون فقط، وأن عليهم أن يتّخذوا موقفًا حازمًا ضد أولئك الّذين “لا يطيعون أوامرَ الله ورَسُوله”. وتتجاهل مناهج التّاريخ الحقبة القبطيّة الّتي امتدت على مدى ستّة قُرون. كما تمَّ التّقليل من شأن مُساهمات الأقباط في تاريخ مصر بحيث اقتصرت على بضع فقرات هزيلة. أمّا بالنّسبة للدراسات الاجتماعيّة، فإنَّ مبادئ الحُريّة والمُساواة والمُواطنة والفرديّة والحُريّة الشّخصيّة وحُريّة الضّمير أو المعتقد والدّستور والدّيمقراطيّة والعدالة فبالكاد تُذكر.
تُوصي منظمة التّضامن القبطي الحكومة المصريّة بما يلي:
أ) سن قوانين تُجرِّم خطاب الكراهيّة الإسلامي المُوجَّه نحو غير المسلمين.
ب) تطهير المدارس والمناهج التّعليميّة من المواضيع والنّصوص الّتي تغرس الكراهية ضد أتباع الدّيانات الأخرى والّتي تُحرِّض على العُنف وتُعزِّز الإحساس “بالتّفوُّق الإسلامي”.
ج) تعزيز أصوات المُجتمع المدني والعلمانيّة في وسائل الإعلام.
(4) قوانين “التّجديف”
هناك زيادة غير مسبوقة في تطبيق المواد الّتي تخُص “ازدراء الأديان” في قانون العقوبات، وتُعرَف بالعاميّة بقوانين “التّجديف”. كان الغرض المُعلَن لهذه القوانين هو حماية الأديان الثّلاثة “التّوحيديّة” من أي هُجوم. في الواقع، تمَّ استخدامها لحماية كُلّ ما هو إسلامي فقط من النّقد. كذلك تُستخدَم هذه القوانين لاستهداف وإدانة الأقباط والمُصلحين المسلمين بشكل غير عادل. وفي الوقت نفسه، فإنَّ التّصريحات المُناهضة للمسيحيّة في وسائل الإعلام والفتاوى الدّينيّة الّتي تقوم بتكفير المسيحيّين مُستمرّة بدون عقاب.
تُوصي مُنظَّمة التّضامن القبطي بضرورة أن تقوم مصر بما يلي:
أ) إلغاء المواد الّتي تخص “ازدراء الأديان” من قانون العقوبات.
ب) العفو الفوري عن المُدانين بمُوجب هذه القوانين، وعن النّاشطين من هيئات المُجتمع المدني الّذين تمّت مُحاكمتهم بموجب قانون “التّظاهر” القاسي.
(5) ثقافة الإفلات من العقاب
على عكس ما تدّعيه الحُكومة المصريّة من إسناد العمليات الإرهابيّة إلى إرهابيّين “أجانب”، فإنّ مُعظم هذه الاعتداءات يتم ارتكابُها على يد الإسلاميّين المحليّين والمُجتمع المُتعصِّب. وفي مُعظم الحالات، لا يخضع أي شخص للمساءلة عن هذه الفظائع، ممّا يُعزِّز ثقافة الإفلات من العقاب. فقُوّات الأمن عادة ما تصل بعد انتهاء الهجمات، والتّحقيقات سطحيّة، وهناك ضغط على الأقباط لقُبول “جلسات الصّلح”، والتّنازُل عن حقِّهم في مُحاكمة المُعتدين عليهم أمام القضاء، كما يتم الإفراج عن المُعتدين المُشتَبه بهم في غُضون وقت قصير. في ظل ثقافة الإفلات من العقاب هذه، فشلت الحُكومة المصريّة في أداء واجبها في حماية المواطنين الأقباط. إنّ إنكار الحكومة لوجود تمييز واعتداءات على الأقباط هو، في حد ذاته، شكلٌ من أشكال الإفلات من العقاب.
وهناك سبب قوي للاعتقاد بأنّ الأمن الوطني، الّذي استحوذ على “الملف القبطي” على مدى عُقود، غالبًا ما لا يكون متواطئًا فقط بالسّماح بأعمال العُنف ضد الأقباط، ولكن قد يكون له دورٌ عامل في التّحفيز على هذا العُنف[10].
تُوصي مُنظَّمة التّضامن القبطي أن تقوم مصر بما يلي:
أ) نزع “الملف” القبطي من يد جهاز الأمن الوطني.
ب) إنهاء تواطؤ الشُّرطة والسُّلطات المحليّة في أعمال العُنف الّتي تستهدف الأقباط، لإنهاء حالة الإفلات من العقاب الّتي يتمتّع بها المعتدون والّتي تشجِّعهم على مُواصلة الاعتداءات.
ب) تجريم الطّرد الجماعي القسري للأُسر القبطيّة من قُراهم حيث عاش أسلافُهم لعِدّة قُرون.
(ج) إلغاء “جلسات الصّلح” التّعسفيّة مع ما يُسمّى بمُؤسَّسة “بيت العائلة”، الّتي تعمل كمظلّة لإضفاء الشّرعيّة على هذه الجلسات.
الخاتمة
يُواجه الأقباط حربَ استنزاف مُتعدِّدة الأوجه لم تترك لهم سوى خيارات قليلة، وهي: التّحول إلى الإسلام؛ العيش كأهل ذمة مقبولين بالكاد مع تحمُّل الإهانات والنّوبات المُتكرِّرة للاضطهاد؛ أو مُغادرة البلاد. وهكذا، فلم تفشل الدّولة المصريّة فقط في حماية مواطنيها الأقباط، بل استمرّت أيضا في مُعاملتهم كمُواطنين من الدّرجة الثّانية من خلال سياسة التّمييز المنهجي.
لقد حصل الرّئيس السّيسي على الإشادة من قبل بعض السّياسيّين الأمريكيّين بسبب الهُجوم اللاذع الّذي يشنّه على الإخوان المسلمين في حين أنّ معركته معهم هي ذات طابع سياسي تمامًا وليس أيديولوجي. وفي نفس الوقت أطلق السيسي العنانَ لمن هم أكثر تطرُّفًا -السّلفيّين- ليفعلوا ما شاءوا في مصر. لقد قامت الشّراكة بين السيسي والسلفيّين على أساس أن يُضفي السّلفيون “الأتقياء” شرعيّة إسلاميّة على حُكمه، وفي المُقابل يسمح السيسي بأيديولوجيّتهم، والّتي تتساوى مع أيديولوجيّة جماعة الإخوان المسلمين إن لم تكن تفوقُها في الكراهيّة المُوجَّهة ضد المسيحيّين واليَهُود والعلمانيّين، لتخترق كُلَّ مُستويات المُجتمع المصري بما في ذلك وسائل الإعلام، والتّعليم العام، وبطبيعة الحال، المساجد.
إنَّ النّهج الّذي يتبعه الرّئيس السّيسي يقوم على تصوير الهجمات الإرهابيّة المحليّة على الأقباط على أنَّها تُرتكب من قبل إرهابيّين أجانب أو على يد جماعة الإخوان المسلمين ممّا يُبرئ ساحة نظامه. وتُشارك الولايات المتّحدة الآن مصرَ في الكفاح ضد الإرهاب الإسلامي. وتمارس الولايات المتّحدة قِيمَها الأخلاقيّة لتعزيز المُساواة وقيم المُجتمع المدني والحُريّة الدّينيّة للجميع في مصر. إنّ استقرار مصر أمر حيوي، ولكن لا ينبغي أن يُصبح الأقباط ضحايا أو خسائر جانبيّة عند محاولة تحقيق هذا الهدف، فينتهي الأمر بالأقباط إلى دفع الثّمن الأقصى للحرب على الإرهاب.
إنّ الحرب على الإرهاب يجب أن تُشن بشكل أقل من خلال المعارك العسكريّة، وبشكل أكبر داخل مصر (والمملكة العربيّة السّعوديّة)، ضد مؤسسات دينيّة متطرِّفة تنشر الكراهية مثل مؤسَّسة الأزهر، الّتي تستمر في تعزيز أيديولوجيّة الكراهيّة الاستبداديّة للإسلاميّين السّلفيّين والوهابيّين والّتي ينتج عنها التّعصب والإرهاب. إنّ دعوة الرّئيس السّيسي لإصلاح الخطاب الدّيني الإسلامي تظل مُجرّد دعوة، قِشرة براقة فقط لتلميع صُورته في الخارج، ولم يتم ترجمتها إلى أعمال أو ممارسات فعليّة على الإطلاق، وقد حان الوقت لذلك الآن.
أشكركم على إتاحة الفرصة لي للإدلاء بشهادتي اليوم، وأطلب إيداع شِهادتي الكاملة بسِجِّلات الكونجرس. وإنَّني مستعدٌ للإجابة على كُلّ أسئلتكم.
ترجمة منتدى الشرق الاوسط للحريات
https://www.copticsolidarity.org/2017/09/18/copts-in-egypt-situation-and-policy-recommendations/ [1]
https://www.copticsolidarity.org/2017/08/14/the-copts-and-egypt-a-historically-critical-juncture/ [2]
https://www.copticsolidarity.org/2017/10/15/fanaticism-not-terrorism-is-the-real-danger-to-egypt/ [3]
http://www.masrawy.com/news/news-videos/details/2017/10/30/1182172/عمرو-أديب-يحذر-من-زيارة-نائب-الرّئيس-الأمريكي- لمصر[4]
الّذي يُطلق عليه حاليًا “الأمن الوطني”.[5]
https://www.copticsolidarity.org/2017/08/14/the-copts-and-egypt-a-historically-critical-juncture/[6]
https://www.copticsolidarity.org/2016/07/22/egypt-must-pass-church-building-law-that-breaks-conditions-of-servitude/[7]
https://www.copticsolidarity.org/2016/09/06/reproducing-the-status-quo-new-church-construction-law-consolidates-discriminatory-state-[8] policies-and-confiscates-citizenship-rights-of-future-generations/
http://www.elbalad.news/3024783 [9]
https://www.copticsolidarity.org/2017/11/22/%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%AF-%D8%AC%D8%A7%D8%AF/[10]