In In Arabic - بالعربي

أميرة المصري (*) ـ خاص ـ

تناولت المواقع القبطية في الشهر الماضي، حادثة لفتاة مسيحية وجدت مشنوقة داخل سيارة تاكسي بالقرب من قرية دير البرشا بمركز ملوي بمحافظة المنيا، وتبين عقب ذلك أنها شقيقة لكاهنين: القمص تيموثاوس راشد وكيل المطرانية والقس لوقا راشد كاهن كنيسة الروضة بملوي.

بالبحث في المواقع الإخبارية، يتبين أنه لم يتم نشر أي تفاصيل خاصة بالواقعة، بالرغم من أن المواقع جميعها تنشر العديد من الحوادث اليومية، ومنها حوادث أقل حدة وقسوة من تلك الحادثة، بل لم يتم الالتفاف لها، بالرغم أن البعد الطائفي يبدو بعيدا عن تلك الواقعة إذ أن صاحب السيارة مسيحي أيضا، وفقا لما تم تداوله بالمواقع القبطية، وبالتالي كان من الممكن التعامل معها كحادثة بعيدة عن الحوادث الطائفية، التي تحاول المواقع البعد عنها، بالطبع تماشيا مع السياسة التي تفرضها الدولة، والتي يمكن أن نطلق عليها مجازا «الحذر في التعامل مع تلك النوعية من القضايا».

لماذا لم يتم نشر هذه الحادثة في المواقع الإخبارية؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون النظر للتاريخ الطويل من تعامل المواقع الإخبارية مع قضايا الأقباط. عند الضغط على محرك البحث عن كلمة “قضايا الأقباط”، تجد عناوين عدة، منها على سبيل المثال ”مقتل قبطي في مشاجرة “،” اختفاء قبطية “، ”تظاهرة لبناء كنيسة “، لكن جميعها أخبار تتناقلها فقط المواقع ذات الصبغة القبطية، ويمكن تناولها أيضا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون أثر في المواقع الإخبارية الأخرى.

لفهم الإجابة أو الاقتراب منها، يمكن العودة لكتاب  الباحث والصحافي روبير الفارس، بعنوان “المجلات القبطية“، والذي يتناول خلاله تطور ظهور القنوات والصحف القبطية. الكتاب الصادر عام 2021، يتحدث عن فترة التسعينيات، ويرى الكاتب أن حينها ظهرت ما أطلق عليه ثورة المواقع والقنوات القبطية، تلك الثورة البعيدة عن الطابع السياسي، والقريبة من الطابع التكنولوجي، ففي نهاية التسعينيات أطلقت مصر قمرا صناعيا للبث الفضائي، مع السماح ببث القنوات الخاصة عبره بدون قيود ترتبط بضرورة البث من مدينة الإنتاج الإعلامي، وهي تلك الفترة التي شهدت إتاحة للإنترنت في المنازل. وتم تدشين عدد من المواقع الإلكترونية القبطية، وإطلاق أول قناة قبطية متخصصة فى الشؤون المسيحية، والتي بدأت إرسالها من السويد وهى قناة سات سفن، وفى عام 2003 تم إطلاق قناة أغابى ثم قناة سي تي في عام 2007.

هذه المواقع، التي انتشرت على نطاق أوسع عقب ذلك، وصولا لموقع جريدة “وطني“، التي كان قد أصدرها أنطون سيدهم في 1958، ولا تزال تصدر إلى الآن، وأيضا موقع الأقباط متحدون، تنقل أخبار الأقباط وما يتعرضون له يوميا، لكونهم يمثلون نسبة تقدر بـ15 مليون من تعداد السكان. وبالنظر للأمر من الصورة الأوسع، تلك المواقع وُجدت بسبب تجاهل أخبار الأقباط في الصحف والمواقع المصرية. هذا التجاهل يمكننا وصفه بالمتعمد، والدليل على ذلك الحادثة الأخيرة التي لم ترد بأي موقع أو صحفية، بالرغم من بشاعتها وتفاصيلها التي تستدعي المتابعة. ولمزيد من التأكيد، لو كان الأمر معكوسا، وكانت تلك الفتاة مسلمة، لتداولت المواقع الواقعة الحادثة مع متابعة مستمرة، كما يحدث في أقسام الحوادث في كافة الصحف والمواقع.

وبالعودة للفارس، يقول في كتابه، إن هناك 76 مجلة وجريدة ونشرة قبطية شهدتها مصر، تنوعت بين الإصدارات الإصلاحية والسياسية والأدبية والاجتماعية والنسائية ومجلات الأطفال المصورة، يجمعها جميعاً كونها تهتم بالشأن المسيحي وصادرة عن مُلاك ومساهمين من المسيحيين المصريين.

سيطرة الرواية الأمنية

يمكننا القول بأن أحداث العنف الطائفي في مصر، بدأت في أوائل السبعينيات وتزايدت بنهاية التسعينيات، ومعها في الجانب الأخر تجاهل لتلك الانتهاكات. ومع التجاهل كان الالتفاف حول الرواية، فحين تشتبك المواقع مع أمر يتعلق بالأقباط يتم التحايل والالتفاف عليه للبحث عن مبررات، لتصبح الرواية المتناقلة في النهاية هي رواية الأمن، الذي لا يرى مبررا لمناقشة تلك القضايا في المواقع، وهو نفسه الذي يرحب بنشر أخبار من نوعية ضبط كميات من المخدرات في حملات أمنية، ولكنه يقف أمام ذبح فتاة داخل سيارة في ظروف غامضة، لأنها مسيحية، فيرى أنه لا داعي لنشر الخبر أو التعامل معه.

الإعلام والأمن في مصر، وجهان لعملة واحدة، وهي النافذة التي يمكن أن توضح الصورة كثيرا. فالإعلام يسير بتعليمات من الأمن، الذي يرى أن تغطية أخبار 15 مليون مواطن أمر غير مهم أو غير مرغوب فيه. فمثلا في 2010، وقعت حادثة كبيرة بنجع حمادي، أطلق ثلاثة مسلحين الرصاص على مصلين أقباط، عقب خروجهم من الكنيسة عشية الاحتفال بعيد الميلاد، لتقوم المنصات الإعلامية بتبرير الجريمة الطائفية بدعوى أنها جرت انتقاماً من قيام أحد رواد الكنيسة بهتك عرض طفلة مسلمة، لتوجيه الأنظار لجريمة أخرى.

وبجانب تحويل الرواية، هناك رفض من البداية للاشتباك معها. وفقا لعدد من الصحفيين المهتمين بالشأن القبطي، قالوا لمنظمة التضامن القبطي، إنه في أحيان عديدة، تقع حوادث في مدن ومحافظات مختلفة لأقباط، ليس بالضرورة وجود بعد طائفي بها، وعلى الرغم من ذلك عند تواصلهم مع المواقع المحلية للنشر والحديث عنها، يأتي الرد من المسؤولين بأنه لا توجد تعليمات من جهاز الأمن بالنشر.

تلك السطور، توضح الإجابة، بأن هناك تعمد واضح لتجاهل أخبار الأقباط أو الالتفاف عليها، وتوضح أيضا أن الإعلام في أزمة كبيرة في مصر أحد سماتها الرئيسية هي خضوعه لجهاز الأمن الذي يحدد له القضايا التي يمكنه تناولها، وهو جهاز لا يرى أي أهمية لقضايا الأقباط، ولا يرى أن عرضها يمثل خطوة أولى في تحقيق المواطنة. وهنا تكمن الأزمة الأكبر، إذ أن المواطن أصبح يبحث عن المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها من المنصات الإعلامية، من مواقع التواصل الاجتماعي. وهي سلاح ذو حدين، إذ يمكنها أن تنقل المعلومات المحجوبة، ولكن أيضا يمكنها نقل الشائعات التي لا أساس لها من الصحة. وهي أزمة “كان”، يمكن تفاديها إذا سمح الأمن للإعلام من البداية تمثيل فئات المجتمع والحديث عن مشاكل الجميع، لتصبح المنصات الإعلامية المصدر الرئيسي للمعلومة الصحيحة.

يرى باحثون، أن هناك عدد من المواقع التي لا تتلقى التعليمات من الأمن، ولكنها تفضل تجنب هذا الملف، خوفا من الاشتباك مع الأمن، وذلك بسبب تزايد القبضة الأمنية نحو الأقباط، بتكرار القبض على بعضهم بسبب آراء أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وتوجيه اتهامات ازدراء الأديان أو إثارة الفتنة في المجتمع. وفي مقال سابق، تحدثنا عن عدم رغبة الأمن في الإعلان عن وقائع خطف المسيحيات، والمحرضين على تلك الوقائع، لأنه “لا يرغب”، وهي إجابة يفسرها نمط التعامل مع هذا الملف أيضا “تغطية أخبار الأقباط في الإعلام”، لأنه يتعامل مع الأمر ككل بأنه ملف أمني فقط، وليس ملفا يتعلق بالمواطنة.

على الجانب الأخر، تواجه المواقع القبطية تهما منها “تأجيج الطائفية”، ولكن هناك شعرة صغيرة بين نقل الخبر الحقيقي والعمل على تأجيجه، ومن يوجه تلك التهم هو المتسبب في هذا التأجيج، فعندما يحاصر الأمن الأقباط ويتجاهل متعمدا أخبارهم، ويفرض ذلك على وسائل الإعلام، هنا لا يوجد لمتابعة أخبار الأقباط سوى تلك المواقع، أو صفحات التواصل الاجتماعي، التي لا يملك السيطرة أو الرقابة عليها كما يسيطر على مؤسسات إعلامية.

ربما كان يمكن تفادي هذا المأزق من البداية عن طريق تهيئة مناخ يتمتع بالشفافية، بعيد عن الخوف، يعترف بمواطنيه من المسلمين والمسيحيين معا، وهو ما سيساعد على تجنب الوقوع في دائرة غير محمودة العواقب.

(*) صحفية وباحثة

Recent Posts

Leave a Comment