In In Arabic - بالعربي

مدى مصر ـ

أحكام تطبيق الشريعة المسيحية على الأقباط في مسائل الإرث فردية طالما لم يصدر «الأحوال الشخصية للمسيحيين».

قضت محكمة مختصة الأسبوع الماضي، باحتكام أسرة مسيحية أرثوذكسية إلى لائحة الأقباط الأرثوذكس في توزيع ميراث رب هذه الأسرة (المُتَوفَى) على زوجته وأبنائه، حسب المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق والحريات، هدى نصر الله.

ولكن على الرغم من تعدد الأحكام القضائية الخاصة بتطبيق الشريعة المسيحية التي تساوي بين الذكور والإناث في مسائل الإرث، إلا أنه بحسب نصر الله، تخص تلك الأحكام وقائع فردية ولا تعد مبادئ قضائية مستقر عليها، وإنما تخضع لاعتبارات القضاة وآرائهم وتختلف من محكمة لأخرى، طالما لم تفصل محكمة النقض أو الدستورية في الأمر، ولم يصدر قانون ينظم مسائل الأحوال الشخصية للأقباط.

وأكدت نصر الله، محامية الأسرة في القضية الأخيرة، لـ«مدى مصر»، أن غالبية القضاة يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية في تحديد الورثة، ونصيب كل منهم في الإرث، حتى ولو وافق جميع الأطراف على الاحتكام للشريعة المسيحية.

وكانت الدائرة السادسة بمحكمة القاهرة لشؤون الأسرة قضت الثلاثاء الماضي، بتوزيع تركة زوج مسيحي متوفي على أسرته المكونة من زوجة وستة أبناء بالتساوي طبقًا للائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938، والتي تساوي بين النساء (الزوجة والبنات) والذكور (الزوج والأبناء) في الإرث، حيث يكون للزوجة نصف التركة في حالة عدم وجود أبناء، وربع التركة في حالة وجود أبناء، وعندما يكون الأبناء أكثر من اثنين تأخذ نصيب مثل أحد الأبناء، حسب نصر الله التي تلفت إلى أن الزوجة بموجب الحكم الأخير كان نصيبها السبع من قيمة الإرث شأن باقي الوارثين.

وبحسب نصر الله تعود وقائع القضية إلى أكتوبر 2020، حين تقدم ورثة المتوفى إلى محكمة الأسرة بطلب لإصدار إعلام وراثة، طالبت خلاله الأم وولد وثلاث بنات من الأبناء المحكمة بتوزيع تركة الأب، استنادًا إلى لائحة 1938 فيما طالب الشقيقان الآخران بتطبيق الشريعة الإسلامية التي تعطي للذكر ضعف نصيب الأنثى.

وأوضحت المحامية المتخصصة في مسائل الأحوال الشخصية للأقباط أن محكمة أول درجة طالبت الورثة بالمثول أمامها أكثر من مرة للإقرار برغبتهم في تطبيق شريعتهم المسيحية، واستمرت في تعطيل الفصل في الأمر عدة مرات حتى إن الشقيقين المصران على تطبيق الشريعة الإسلامية عدلا عن قرارهما، وأقرا أمام المحكمة بموافقتهم على توزيع تركة والدهم طبقًا للائحة الأقباط الأرثوذكس في نهاية الأمر.

لكن رئيس المحكمة ـ حسب نصر الله ـ رفض وأصدر حكمه بتوزيع التركة طبقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية، استنادًا لعدم حضور باقي الورثة مرة أخرى لتكرار طلبهم، وهو الحكم الذي ألغي الأسبوع الماضي بعدما تأكد رئيس محكمة الاستئناف من وجود إقرار من جميع أفراد الأسرة في ملف القضية بموافقتهم على توزيع التركة استنادًا للائحة الأقباط الأرثوذكس.

وقالت نصر الله: «كان نفسي القاضي يصدر حكما بأن الشريعة المسيحية واجبة التطبيق على الأقباط، ولا يشترط موافقة الشقيقين، اللذان أصرا على تطبيق الشريعة الإسلامية قبل أن يملا من طول إجراءات التقاضي ويتنازلا عن طلبهما».

وعن سبب عدم اعتبار هذا الحكم مبدأ قضائيًا يطبق في القضايا المشابهة، أكدت نصر الله أن الأزمة الكبيرة أن مسائل الأحوال الشخصية لا تعرض على محكمة النقض ولا توجد دائرة مختصة لتوحيد المبادئ.

وأشارت نصر الله إلى أن كل محكمة استئنافية ترى أنها غير ملزمة بمبدأ محدد، فسبق وحصلت على أحكام بتطبيق الشريعة المسيحية الخاصة بالأقباط الأرثوذكس والإنجيليين في أعوام 2016 و2019 و2020 و2021 من محاكم الاستئناف بالقاهرة والإسكندرية، ولكن محاكم الصعيد ومحافظات القناة لم يكن لديها نفس القناعة.

وأضافت أنه على الرغم من أن مصر بها ثمان محاكم استئناف فقط، إلا أن تلك المحاكم لم تتفق فيما بينها على مبادئ مستقر عليها حول ما يتعلق بقضايا الإرث والأحوال الشخصية لغير المسلمين، مشددة على أنه في غالبية القضايا المشابهة المعروضة على المحاكم، في حال موافقة الذكور المسيحيين على التنازل عن الميزة التي يكفلها تطبيق الشريعة الإسلامية لهم في مسائل الإرث، المحاكم عادة تبحث عن أي ثغرات إجرائية لرفض تطبيق الشريعة المسيحية.

وأكدت نصر الله أن الأمر لا يقف عند توزيع الأنصبة وإنما يتعلق أيضًا بتعيين من لهم الحق في الإرث، ففي المسيحية لو الأب عنده بنت وحيدة ثروته تذهب للزوجة والبنت فقط، ولكن في الإسلام الأمر مختلف، مضيفة أن «القضاة بيصعب عليهم إنهم يستبعدوا حد من الإرث، ويحيلوا تلك القضايا إلى المحكمة الدستورية للفصل في الاحتكام للشريعة الإسلامية أو المسيحية وهو الأمر الذي لم تحسمه الأخيرة بعد».

وتنظم مسائل الأحوال الشخصية لمسيحيي مصر 12 لائحة، أشهرها لائحة اﻷقباط الأرثوذكس، ولائحة اﻷقباط الكاثوليك، ولائحة الإنجيليين الوطنيين. ورغم أن هذه اللوائح تنظم مسائل الأحوال الشخصية كافة، إلا أن المادة الثانية من دستور 1971 كانت حائلًا دون تطبيق نصوصها كافة.

ويقتصر تطبيق تلك اللوائح على مسائل الزواج والطلاق بين متّحدي الملة والطائفة، والتي اعتبرتها أحكام المحاكم من النظام العام في المسيحية، ورغم أن دستوري 2012 و2014 أقرا في المادة الثالثة منهما بأن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، إلا أن أحكام المحاكم في قضايا الإرث تضاربت بين الاستجابة لنصوص الدستور والإصرار على تطبيق أحكام المواريث الإسلامية.

وهو ما اعتبرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تمييزًا مضاعفًا ضد قطاع معتبر من المواطنات المصريات المسيحيات على أساس الدين من ناحية، وعلى أساس النوع الاجتماعي من ناحية أخرى، وحملت في تقرير أعدته في مايو 2022 بعنوان «حظ الأنثى إرث المسيحيات المصريات بين النص الدستوري وعقيدة المحاكم»، مسؤولية هذا التمييز لكل من السلطتين التشريعية والقضائية، وطالبتهم بتنفيذ المادة 224 من الدستور التي تلزم البرلمان بتقديم قانون موحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية يُفعّل المادة الثالثة، وهو ما لم يلتزم به البرلمان منذ تسع سنوات كاملة.

Recent Posts

Leave a Comment