In In Arabic - بالعربي

د. خالد منتصر ـ الوطن ـ

عشنا منذ يومين أكبر حفلة زار هستيري لمجموعة من الزومبي البشري على وسائل التواصل قادوا حملة عدم الترحم على المراسلة الفلسطينية شيرين أبو عاقله التي قتلتها رصاصات الغدر.

المدهش هو الموقف العبثي لهؤلاء الذين نعوها بداية قبل أن يعرفوا دينها بملاحم بكائيات ساخنة ثم تراجعوا ١٨٠ درجة عندما اكتشفوا أنها مسيحية واسمها شيرين أنطون وصرخوا لا وا إسلاماه! ممنوع الترحم على هذه المراسلة، أما الجنة فهيهات هيهات أن تدخلها!!

وهذا الموقف تكرر مع د مجدي يعقوب منحه الله الصحة والعمر حين كان السؤال المؤرق في كشك فتاوي المترو هل سيدخل د. مجدي الجنة أم النار؟ وقتها كتبت عن سماسرة السماء، أنه قد صار للجنّة رؤساء مجالس إدارات، هم الوحيدون الذين يملكون حق تعيين «فلان» موظفا فيها بدرجة مؤمن مقبول، ومؤمن جيد، وممتاز، وساقط قيد، وطرد «علاّن» منها إلى جهنم وبئس المصير، لأنه لم يستوف الأوراق المطلوبة لفضيلتهم، وأصبح للفردوس وكلاء حصريون هم الذين يمتلكون طفاشة يسمحون للبعض باستعارة نسخة مفتاح منها، بينما يحرمون ويمنعون الآخرين من مجرد الاقتراب من كالون باب النعيم الأبدي.

هكذا وجدنا دعاة ومشايخ قرروا احتكار توزيع البشر على الجنة والنار، افتتحوا مكتب تنسيقهم الخاص ووحدة توزيعهم المتميزة، وبدلا من توزيع صكوك غفران القرون الوسطى قرروا توزيع مساحات أراضي الجنة حسب المزاج ودون قرعة.

ووجدنا سماسرة للسماء ينتشرون ويتحدثون بكل ثقة وكأنهم أحضروا النتيجة من الكونترول: شيرين ومجدي ومعهم السعداوي والقمني وبالطبع الفنانات والفنانين.. الخ صدر لهم فرمان بأنهم خارج التشكيل الفردوسي وأخرج لهم من جيب حراس الفضيلة الكارت الأحمر، ثم خرج علينا آخرون من أركان الدنيا الأربعة كلهم يجمعون في ثقة يُحسدون عليها بأن شيرين وقبيلتها لن يعبروا إلى المياه الإقليمية للجنة!

إنه مفهوم الاستعلاء والإقصاء واحتكار الجنة، مفهوم الفرقة الناجية الذي يتلبس الكثيرين عندنا ويسيطر على تفاصيل حياتهم وحركتهم فيها. الفرقة الناجية صار مفهوما يبدأ بإقصاء الأديان الأخرى، ثم ينتقل كالفيروس إلى دائرة إقصاء المذاهب الأخرى (داخل الإسلام سواء شيعيا أو معتزليا أو أباضيا…الخ) ، ثم تتقلص الدائرة حتى تصبح إقصاء من هم ليسوا شبهك داخل مذهبك، فتصبح جماعة أو عصابة أو جبهة أو إمارة أو تنظيما، وتنتهى بأن ينشق البعض عن التنظيم ويقتتل الجميع داخله، وبأن تكون أنت كفرد أو كشخص، الناجي الوحيد ، المؤمن النقي، محتكر الجنة وضامن الفردوس المتفرد الرابح المتميز.

دائرة جهنمية دراكولية، تنتهي بأن ينشب محتكر الجنة أنيابه ومخالبه في لحمه، يشوهه ويبعثر نتفا منه أشلاء في سباق ماراثون الفرقة الناجية، والانتحاري صاحب الحزام الناسف هو خير مثال لهذا الناجي المتفتت الممزق!

صاحب فكرة الفرقة الناجية يبتكر سلسلة مفاهيم تجعل من ثقافة الموت وكراهية الحياة دستورا لمسيرته وخريطة لطريقه: الولاء والبراء، فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان، جهاد الطلب، غزو الآخرين واستباحتهم تحت شعار الهداية إلى الدين الحق. ثم تتحول الحكاية بالتدريج من الشكل السلبي وهو رفض دخولك من خلال امتلاك مفاتيح الجنة، إلى الفرض الإيجابي ـ إن صح التعبير ـ بإجبارك بالعافية على دخول جنتهم طبقا لمواصفاتهم القياسية للإيمان، ومن خلال بورصتهم الاحتكارية الخاصة، أي أنه ليس لك الحق في اختيار جنتك التي تعرفت عليها من خلال علاقتك الخاصة الرأسية بالله الذي يحنو عليك ويطبطب على روحك ويعرف ما في داخل ضميرك وما تفعله من خير على الأرض. هم وضعوا الكتالوج ورسموا الباترون وما عليك إلا ارتداء زيهم الفكري المتطرف المهلهل الذي يغطيك بخرق
القماش ولكنه يعريك إنسانيا.

Photo Credit: afryat.com

https://www.elwatannews.com/articles/writer/29
Recommended Posts

Leave a Comment