In In Arabic - بالعربي

وليد بدران ـ رصيف ٢٢ـ

في مصر لتكون “خواجة”، يجب أن تكون مسيحياً، أو يهودياً، أو شامياً، أو أجنبياً


“خواجة” كلمة تتردد في العديد من البلدان العربية، ويختلف معناها من دولة لأخرى. وهنا تطرح الأسئلة نفسها: ما هو مصدر هذه الكلمة؟ وكيف بدأ استخدامها؟ وما هي قيمتها الاجتماعية؟ يعكس تعريف الكلمة في القواميس، كقاموس المعاني الفوري على سبيل المثال، الفهم السائد للكلمة، وهو أن كلمة خواجة لقب يطلق على الرجل الغربي أو الأجنبي عادة، وجمعها خواجات. للكلمة مرادفات في لغات عديدة، ومن المثير أن معناها متقارب في هذه الثقافات، فهي: خواجه في الفارسية، ومعناها في الأصل السيد، والمحترم، والواو التي تقع بين الخاء والألف لا تلفظ، ويسمونها الواو المعدولة. فهي تكتب، ولكن الكلمة تلفظ “خاجه”، كما أنها تستخدم في اللغة التركية، والبنغالية، والبوسنية، وبالألبانية، والصربية، والرومانية. لكن العرب تصرفوا بتعريب اللفظة؛ فقالوا: خاجة، وخاجا، وخَوآجه، وخُجا، وخوجة. وتحوَّل المعنى إلى معلم الصنعة، ومعلم الكتّاب، ومربي الأبناء، والأستاذ. ثم صار المعنى: “الخصيّ”، حين صار الخواجه مربياً لأبناء الملوك والأمراء وبناتهم، فكان الخصي ممارسة مرتبطة بهذه المهنة لحماية أولادهم الخلفاء.

ولكن كيف وصلت هذه الكلمة إلى العالم العربي؟

يجيب عزت السعدني، الكاتب الصحفي المعروف في جريدة الأهرام المصرية والمعني بالثقافة الشعبية، لرصيف22 إن العثمانيين هم من أدخلوا هذه الكلمة إلى الدول العربية بمعنى السيد أو أحد كبار الأعيان أو التاجر الغني. وتلفظ الكلمة في دول الخليج العربي خاجة، وفي بلاد الشام خوجة وخواجة، وفي مصر والمغرب خواجة وتعني سيد. وخواجة وجمعها خواجات من المفردات التي استقرت في اللهجة المصرية، فمن يقصد المصريون بالضبط بهذه الكلمة؟

خواجة بـ”بدلة وبرنيطة

يقول أحمد أمين في كتابه العادات والتقاليد والتعابير المصرية إن الخواجة في لسان المصريين هو أوروبي يلبس “بدلة وبرنيطة”، وهو زي مرتبط بالأوروبيين كما عرفتهم مصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، سواء كان القادم يونانياً أو إيطالياً أو إنجليزياً أو غير ذلك من الجنسيات التي كانت مصر مقصداً لها في هذه الفترة. وأضاف أمين قائلاً، إن اللقب جاء معه مكانة خاصة في مصر، تكسب صاحبها احتراماً وهيبة، ويوحي بخبرته في العلم والأمانة أكثر من السكان المحليين، فإذا كان الخواجة طبيباً، اعتبر أمهر من الأطباء المصريين دون الرجوع إلى شهادته أو خبرته، وإذا كان الخواجة تاجراً يونانياً ببرنيطة استطاع أن يشتري من الفلاحين قطنهم، أكثر مما يستطيع التاجر المصري. ويتابع أمين في كتابه، أن سبب ذلك الإنكليز الذين اعتبرهم مصر، أصحاب قرار وسلطة، وشملوا معهم الأوروبيين، كما يشير أمين إلى أنّ منزلتهم في الإسكندرية أقل من منزلتهم في القاهرة لكثرة اختلاط أهل البدل بالسائحين والأجانب.

لماذا يضع المصريون ثقتهم وأموالهم
في يدي من يطلقون عليهم لقب “خواجة”؟

ويوضح قائلا إنه حتى مطلع القرن التاسع عشر لم يكن لدى سكان مصر مفهوم واضح عن الهوية الوطنية فكانوا كغيرهم من رعايا الدولة العثمانية، يرون أن ما يربطهم بالخلافة العثمانية صلة دينية في الأساس. واستطرد: “لم تكن الهوية المصرية تتجاوز أن تكون توصيفاً لطبقة اجتماعية أكثر منها تعريفاً بهوية وطنية. وفي بعض الأحيان، كانت الهوية المصرية تلحق بهوية دينية أو عرقية، بصفتها تعريفاً جغرافياً لمكان الإقامة أو الميلاد كما في توصيف اليونانيين المصريين والإيطاليين المصريين وغيرهم.” كون “الخواجات” في نظر المصريين هم الأوروبيون، فإن اللقب قد ارتبط في مصر بغير المسلمين، وأصبح يطلق على مواطنيهم الأقباط واليهود، أما عند الأتراك، مقارنة بذلك، يمكن أن يطلق اللقب على المسلمين أيضاً. كما أصبح المصريون يطلقون لقب “خواجة” على الأجانب من الغربيين وعلى أهل الشام سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. وأما اليوم، فمفهوم كلمة “خواجة” صار يقتصر على الأجنبي الأوروبي أو الأمريكي وخاصة إذا كان من أصحاب الشعر الأشقر والعيون الزرقاء.

خواجات لهم تاريخ في مصر

جاستون ماسبيرو

كانت مصر قد عرفت في عهد أسرة محمد علي في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين انفتاحاً على العالم أتاح لكثير من الأجانب القدوم إلى مصر للعيش و العمل. وقد ظلت أسماء الكثيرين من هؤلاء الخواجات محفورة طويلاً في ذاكرة وتاريخ المصريين إما بسبب الأدوار المحورية التي لعبوها أو بسبب ارتباطهم بأماكن معروفة في القاهرة وغيرها من المدن المصرية. ومن هؤلاء الخواجات اللبنانيان سليم وبشارة تقلا اللذان أصدرا صحيفة الأهرام، والعالم الفرنسي خواجة جاستون ماسبيرو الذي يعد واحداً من أشهر علماء المصريات في عصره، وتولى منصب مدير مصلحة الآثار المصرية وأمين المتحف المصري عام 1881، وكذلك المهندس ورجل الأعمال البلجيكي البارون “الخواجة” إمبان الذي عمل على إنشاء مدينة جديدة قرب القاهرة تعرف باسم “مصر الجديدة” أو “هليوبوليس”.

جاكومو جروبي

وهناك أيضا صانع الحلويات السويسري الخواجة جاكومو جروبي الذي ينسب إليه مقهى جروبي الشهير الذي أسسه في أواخر القرن التاسع عشر ليصبح سريعاً أشهر مقهى في منطقة وسط البلد بالقاهرة، ومورينيو شيكوريل عميد عائلة شيكرويل اليهودية الإيطالية من إزمير في تركيا إلى مصر حيث أسس محلات شيكوريل التي باتت من أشهر المحلات التجارية الراقية في مصر وكان من أبرز زبائنه أفراد العائلة. والخواجة اليهودي رفائيل سوارس صاحب شركة نقل الركاب. وغيرهم كثيرون.  كما حملت العديد من الأحياء في المدن المصرية أسماء خواجات وخاصة الإسكندرية حيث ينسب حي لوران للخواجة إدوارد لوران الذي كان صاحب شركة دخان في القرن التاسع عشر، فيما ينسب حي زيزينيا للكونت اليوناني الخواجة زيزينيا أما حي سموحة فينسب للخواجة اليهودي جوزيف سموحة وكان تاجر أقمشة.

___________

https://raseef22.net/article/105006-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%B7%D9%84%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%82%D8%A8-%D8%AE%D9%88%D8%A7?fbclid=IwAR2B5lv6jRc1RVTyLHFaGBuwdoD4QCZ6PSIOpGwXfNdgSoztSeV6pNk91o8
Recent Posts

Leave a Comment