In In Arabic - بالعربي

مدى مصر ـ

انتهت ثاني جلسات محاكمة باتريك زكي بمفاجأة سارة. 

قبل سفره إلى إيطاليا بمنحة ماجستير من جامعة بولونيا، عمل باتريك باحثًا متخصصًا في قضايا التمييز الديني والنوعي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. أنهى عامه الدراسي الأول في فبراير 2020، وعاد لقضاء إجازة في مصر. وبمجرد وصوله إلى مطار القاهرة، قُبض عليه، وظل محبوسًا احتياطيًا 19 شهرًا، حتى أحالته النيابة إلى المحاكمة، متهمًا بنشر أخبار كاذبة على حسّ كتابته مقالًا بعنوان «حصيلة أسبوع في يوميات أقباط مصر!»، من وجهة نظر قبطي، ونُشر على موقع درج.

في طريقنا من القاهرة إلى مدينة المنصورة صباح يوم الجلسة، 7 ديسمبر الجاري، لحضور محاكمته، تبادل البعض السيناريوهات المختلفة لما يمكن أن يحدث بدائرة جنح أمن الدولة طوارئ في محكمة المنصورة. أفضل سيناريوهات نهاية هذا الكابوس هو الحكم على باتريك بالسجن عامين، قضاهما بالفعل محبوسًا احتياطيًا في عنابر تحقيق سجن طرة، وبالتالي يُفرج عنه. الأسوأ هو تأجيل الجلسة كما يحدث عادة في هذا النوع من القضايا بلا نهاية. في إحدى زيارات والدته له، قال باتريك إن «انتظار البلاء في أوقات كثيرة يكون أصعب من البلاء نفسه».

***

قبل أسبوع من سفره إلى إيطاليا للدراسة، دعاني صديق لسهرة خلال الويك اند في بيته مع أصدقاء آخرين. أُطلق على السهرة «صقور المالتي»، كان باتريك أحد أعضائها باعتباره لاعب بلايستيشن ماهر. قبلها لم أكن أعرفه جيدًا. جمعتنا لقاءات سريعة بحكم تقارب العمل. رغم ذلك، كان من بين القليلين في تلك الدوائر الذين أتذكرهم جيدًا: صغير السن، زملكاوي حتى النخاع، ومسيحي أيضًا. درس الصيدلة في الجامعة الألمانية، ويعمل في منظمة حقوقية. خبرات قليلًا ما تجتمع في شخص واحد.

عندما وصلت إلى بيت صديقي، كان صقور المالتي مجتمعين، وكان باتريك أصغرنا بفارق عمر كبير. بعد قليل، استسلم لرحرحة القعدة وتخلّى عن الإتيكيت، وأبدى قدرًا من الطفولة دفعتنا لإخراج طفولتنا معه. بداخله طاقة دفعته دائمًا لتحدينا، كأن يُستفزّ أو يحفّل على أحد منا عندما يهزمه، أو يسخر من خصمه بعد الفوز عليه في نهاية المباراة. سلوك لا يخرج سوى من مشجع زملكاوي عنيد. أخبرنا باتريك في تلك الليلة عن سفره إلى إيطاليا لإكمال دراسته. خلق باتريك لنفسه مغامرة أخرى كامتداد لحبّ التحدي؛ من لعبة يشجعها إلى حياة بأكملها: «هغيب سنة أو سنتين أدرس شوية، محتاج أتعلم حاجة جديدة». واختار إيطاليا.

بدا اختياره إيطاليا تأثرًا واضحًا بحب الكرة، باعتبار البلد البحر متوسطي رمزًا للكرة القديمة قبل سيطرة الشركات عليها في العالم. كما أنه زملكاوي. وفي العادة، يتأثر مشجعو الزمالك ببعض مشجعي الفرق الإيطالية، باعتبار مجموعاتهم رموز تاريخية في الوفاء الناضج للأندية وعقلية تشجيع الكرة. كانت إيطاليا مساحة آمنة للاحتفاظ بهواياته وممارستها، أصبح باتريك هناك مشجعًا لنادي مدينة بولونيا التي يعيش فيها من أجل الدراسة. «حلاوة تشجيع الكرة في أوروبا مرتبطة بأنك تشجع المدينة اللي انت منها، وبعدين بولونيا مش فريق وحش ولا حاجة، بولونيا فريق جامد فشخ، بيطلع كل سنة السادس أو السابع، فأنا مش محتاج إني ألجأ لفريق تاني أشجعه، حلوة فكرة انك تشجع فريق بتاع البلد اللي انت فيها، فريق لطيف وفيه هات وخد، وبيكسب»، يقول.

لكن، هناك أسباب أكثر جدية. كانت الدراسة هناك بشكل عام مختلفة جدًا بالنسبة لباتريك. «أنا كنت في صيدلة في الجامعة الألمانية، هنا الموضوع عبارة عن إنك تك. تك. تك. نازل حفظ حفظ حفظ، هناك التعليم نفسه مختف تمامًا، بيديّك مساحات من الأريحية في التفكير والغلط، ومساحات من القراءة الواسعة. حاجات لها علاقة بأنك تروح تحضر مهرجانات سينما وتدّي ريفيوهات عليها وانطباعات في المحاضرة، بتعلّم من خلال حفلات، ووسائل مختلفة جدًا، بعيدًا عن فكرة كتاب واحد». يزيد على هذا، بحسب باتريك، أن الأسر المسيحية عندها ميراث من أن «ابننا لازم يكون أشطر واحد في المدرسة، فكان بيتم الضغط عليا من والدتي، عن عدم معرفة طبعًا، بشكل شديد جدًا في الدراسة، لازم تجيب أعلى درجة، ولازم تكون أحسن واحد».

(…)

اختياره دراسة «المساواة على أساس الجندر» يثير تساؤلات عن شخصية باتريك. قبل جلسة المحاكمة بيوم واحد، أخبرتني أمه عن ذكرى من طفولة باتريك ربما تعبر عن أسباب انحيازه لمشكلة التمييز السلبي على أي أساس. «باتريك كان بيحب الكورة من صغره، لدرجة إنه كان بيذاكر بس عشان نخليه يتفرج على ماتش كورة في التليفزيون كمكافأة مننا، أو مثلًا نوديه النادي في الإجازة، لما قدمت له في نادي المنصورة وبدأت أتابعه، اكتشفت إن المدرب بيستبعده دايمًا من التمرين لأنه المسيحي الوحيد في الفريق». لم يمثل ذلك الاستبعاد لباتريك أزمة كبيرة حين سألته عنه، يقول لي: «أنا فاهم الموضوع من زمان لأننا كنا في المدرسة بنلعب ماتشات مسيحيين ضد مسلمين، كنت مدرك إن فيه أزمة لكن معرفش اسمها إيه، لكن فضلت أنا الوحيد اللي بشارك في أنشطة المدرسة عشان أحاول أتخطى الموضوع». بعدها عزف باتريك عن لعب الكرة بشكل احترافي في الأندية، لكنه استمر في اللعب مع أصدقائه أو في الدورات التي كانت تنظمها الكنيسة في المنصورة ضمن أنشطتها الرياضية. حتى عندما سافر إلى إيطاليا، داوم على لعب الكرة مع زملائه الطلاب من محبي الكرة مثله.

«احنا كلنا كنا متربيين في مجتمعات مقفولة، كنت شاب عادي جدًا، بل بالعكس؛ كنت كمان محافظ في وقت من الأوقات وأنا صغير، قبل ما آجي القاهرة في الجامعة، لكن الثورة في 2011 كانت نافذة بالنسبة لي في الانفتاح على ‘المعلومات’ بشكل عام، وأنا من وأنا صغير مهتم بفكرة الناس الأقلية، بطبيعة الحال لأني لمسته في المدرسة، فاهتميت دايمًا بمشاكل الناس اللي عددها قليل، ولقيت مشاكل كتير كانت بتتعرض لها الستات بعد الثورة وبدأت تبقى ظاهرة في الشارع». 

وفي أثناء استعداده للسفر إلى إيطاليا عرف سببًا جديدًا يجعل اختياره أكثر منطقية، وربما أكثر شاعرية. الجدة الكبرى، واسمها أديلا، كانت إيطالية. «في بداية القرن العشرين جاءت أديلا من إيطاليا مع والدها وعمها للإقامة في مصر، اختارا مدينة المنصورة وعاشا مع الجريك في المدينة التي جذب هدوئها جنسيات أخرى غيرهما، خلال الحرب العالمية الثانية خشى والد أديلا أن يحدث لها مكروه، جوزّها لعربي يحمل الجنسية اللبنانية، وأصبح اسمها عديلة، لكنها لم ترَ حفيدها جورج والد باتريك»، يتذكر والد باتريك تلك الحكاية. ولم يخبر ابنه بها حتى عرف أنه مسافر إلى إيطاليا.

***

وصل باتريك إلى محكمة المنصورة مبكرًا. كان الاسم الثاني في قائمة تضم 120 شخصًا تُنظر جلسات حبسهم في تلك الدائرة. حضر المحامون مبكرًا أيضًا بعدما علموا قبلها بيوم أن باتريك رُحل من سجن طرة إلى المنصورة. انطلقوا من القاهرة في الساعة السادسة صباحًا من القاهرة، ووصلوا قبل بداية الجلسة بلحظات، وكان في داخل المبنى زملاء باتريك وأسرته ووفود دبلوماسية من عدة سفارات يتابعون إجراءات محاكمته. قدمت محامية «المبادرة المصرية»، هدى نصر الله، وفريق الدفاع طلباتهم التي ضمت: سماع شهادة ضابط المباحث الذي كتب في محضر الضبط أن باتريك قُبض عليه في المنصورة وليس مطار القاهرة، وكذلك ضابط الأمن الوطني الذي أجرى التحريات، لسؤاله: «على أي أساس رأى أن باتريك نشر أخبار كاذبة»، كما طالب فريق الدفاع باستخراج شهادة رسمية من «حكم إعلام وراثة»، رفض فيه القاضي الاستعانة بشهادة مسيحي، واستشهد به باتريك في مقاله. على الناحية الأخرى نوهت النيابة إلى أنها على استعداد للمرافعة، بعدها أجّل القاضي النظر في طلبات الدفاع إلى آخر الجلسة التي استمرت أربع ساعات، وانتظرنا القرار في قاعة المحكمة.

***

بعد انتهاء عامه الدراسي الأول في إيطاليا، قرر باتريك العودة إلى مصر لمدة أربعة أيام لزيارة أسرته خاضعًا لطلب والدته. تقول إنها الآن تتمنى لو لم تطلب منه ذلك. «أنا وباتريك كنا مرتبطين جدًا ببعض، لما ولدّته كنا عايشين في إسكندرية، وأخذت إجازة خمس سنين من الشغل عشان آخد بالي منه، لأني عرفت الأمومة على إيده باعتباره الطفل الأكبر قبل ما تيجي أخته ماريز». وصل باتريك إلى مطار القاهرة ليلة الجمعة، وكانت أسرته تنتظر خارج المطار. اتصل بهم من هاتفه ليخبرهم أنه عند الجوازات. طلب منه الضابط أن يتوقف لحظة. بعدها بلحظات اتصل مرة ثانية بوالده. «بابا فيه حاجة غريبة بتحصل»، قال له. وانقطع الاتصال بينهما. جاءت له قوة أمنية، استلمت الباسبور بعد أن ختمه ضابط الجوازات. واحتجزته تلك الليلة. لم تعرف الأسرة ما حدث. باتوا أمام المطار ولم يُسمح لهم بالدخول، ولم يخبرهم أحد بمصير باتريك.

لم تصدر أي بيانات رسمية بعد انتشار أخبار عن القبض على طالب ماجستير في إيطاليا سوى توضيح من وزارة الداخلية بعد يومين من القبض عليه تنفي من خلاله أن يكون طالب الماجستير المقبوض عليه إيطاليًا بعد اختلاط الأمر عند البعض على مواقع التواصل الاجتماعي.

بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تعرض باتريك للتهديد والصعق بالكهرباء أثناء سؤاله عن عمله ونشاطه، وطالبت في بيان  صدرته بـ«وضع حد للمضايقات والاعتقالات العشوائية المستمرة منذ سبتمبر 2019 التي بدأت تستهدف العاملين بحقوق الإنسان والمجتمع المدني والصحفيين، خصوصًا الناشطين على فيسبوك منهم». تعرض وقتها ستة من العاملين بالمبادرة المصرية للتوقيف والاحتجاز في حملات التفتيش العشوائي التي استهدفت بشكل خاص أي شخص نشط في الشأن العام بغض النظر عن طبيعة نشاطه، بحسب البيان.

في اليوم التالي، علمت الأسرة أن باتريك ظهر في قسم شرطة المنصورة. حققوا معه في الاتهامات المدونة ضده بمحضر تحريات ضباط الأمن الوطني، اتُهم فيه بـ«نشر وإشاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي»، وأرفقوا بالمحضر صورًا لبوستات نشرها على صفحته الشخصية على فيسبوك. لكن المحضر الرسمي قال إن باتريك قُبض عليه بمدينة المنصورة يوم الجمعة، وليس بمطار القاهرة، وأرفق المحضر مع قرار سابق في 28 ديسمبر بضبطه وإحضاره، أي قبل عشرين يومًا من زيارته لمصر. 

انتهى التحقيق مساء السبت في النيابة بحبس باتريك 15 يومًا على ذمة التحقيق. استأنف المحامي وائل غالي ضد قرار حبسه أمام قاضٍ بمحكمة استئناف المنصورة ثانٍ. حاول غالي في دفاعه خلال جلسة نظر الاستئناف أن يوضّح للقاضي عدم توافر شروط الحبس الاحتياطي لباتريك بسبب وجود محل إقامة ثابت ومعلوم، لكن القاضي رفض الاستئناف وأيد قرار الحبس دون مناقشة الدفوع. كان هناك أمل عند غالي أن تنتهي الأمور في جلسة التجديد الثانية في 22 فبراير، لكن النيابة جدّدت حبس باتريك 15 يومًا أخرى، ودخل في دوامة تجديدات الحبس الاحتياطي. أصبح باتريك متهمًا على ذمة قضية 7245 لسنة 2019 إداري ثان المنصورة.

بعد ثمانية أيام من القبض عليه، أصدرت النيابة العامة بيانًا يتعلق بالقضية 7245 لسنة 2019، المُتهم فيها باتريك. كشف البيان أن حبس باتريك جاء بناءً على تحريات أجراها ضابط في قطاع الأمن الوطني اتهمه في سبتمبر 2019، خلال وجوده في إيطاليا، بـ«استغلال حسابه على فيسبوك لنشر أخبار كاذبة بغرض التحريض ضد مؤسسات الدولة ورموزها»، وأرسل القطاع محضر التحريات إلى النيابة العامة في عشر ورقات مطبوعة من بوستات كتبها على حسابه. وعلى هذا، أصدرت النيابة العامة إذنًا بتفتيش مسكن باتريك في سبتمبر. بحسب بيان النيابة أيضًا، ذهبت قوة من قطاع الأمن الوطني في سبتمبر لتفتيش مسكنه وضبطه، لكنهم لم يعثروا عليه.

تقول والدته إن هذا لم يحدث، لم يأتِ أحد لتفتيش البيت والبحث عن باتريك قبل عودته من إيطاليا، وإن كان حدث ذلك فـ«هل منطقي إني ألح على باتريك عشان يرجع؟». نشرت الأسرة بدورها بيانًا قالت فيه «لم يمثل ابننا يومًا أي خطر على أحد، بل كان عونًا ودعمًا حقيقيًا للكثيرين […] لم نتوقع أن يُعامل بهذه الطريقة أو أن نعيش يومًا في مواجهة تلك المخاوف على سلامة ابننا».

حاز باتريك قدرًا من التضامن في إيطاليا، قوامه كان من زملائه الطلاب عندما كتبوا عن باتريك على فيسبوك وتويتر. في مدينة بولونيا الإيطالية، بدأت المظاهرات تتحرك في 18 فبراير. تظاهر الآلاف بالمدينة، مطالبين الحكومة المصرية بالإفراج عنه. ونُشرت صور كثيرة للمظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي.

تضامنًا مع المظاهرات، أطلق مطعم في بولونيا أسماء باتريك وجوليو [ريجيني] على سندوتشاته.

مكتب وزير الخارجية الإيطالي أخبر صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية أن الوزير يتابع واقعة احتجاز باتريك. وكتب رئيس لجنة التحقيق في قضية ريجيني في البرلمان الإيطالي، إيراسمو بالازوتا، على حسابه على تويتر، أن الحكومة الإيطالية لا يمكنها تجاهل الواقعة والاستمرار في علاقتها مع دولة تنتهك حقوق الإنسان، متسائلًا: «كيف نعتبر مصر دولة آمنة وهم يقبضون على الطلبة؟».

بعد أربعة أيام من القبض عليه، قام السفير الإيطالي في القاهرة بزيارة رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد فايق، وقتها، وسأله عن موقف باتريك. ولم تتوقف حملات التضامن. 

في مارس، أرسل تسعة أعضاء بالكونجرس الأمريكي، من بينهم رشيدة طليب وإلهان عمر وأليكساندرا أوكاسيو سواريز، خطابًا إلى السفير المصري في واشنطن ياسر رضا، طالبوا فيه الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات لحماية حقوق الإنسان في عدد من الحالات من بينها باتريك.

وفي مصر، أصدر نادي قضاة مصر بيانًا صحفيًا ردًا على مطالبة رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، من الحكومة المصرية، الإفراج عن باتريك. اعتبر المتحدث باسم نادي القضاة، المستشار رضا محمود السيد، تلك المطالبة «تدخلًا سافرًا وغير مقبول في أعمال القضاء المصري والنيابة العامة، ومساسًا بضمانات استقلال القضاء المنصوص عليها في المواثيق الدولية». ودخل رئيس مجلس النواب السابق، علي عبد العال، على خط مهاجمة المطالبات الأوروبية، بإعرابه عن أسفه لاعتماد رئيس البرلمان الأوروبي على معلومات رأى أنها «مرسلة ومغلوطة» لمنظمات قال إنها «تفتقد للمصداقية».

تزامن الشهر الذي قُبض فيه على باتريك مع استعداد القاهرة لتعاون عسكري مع روما كجزء من صفقة أسلحة هي الأكبر في تاريخ العلاقات بين مصر وإيطاليا، بحسب نشرة إنتربرايز، أرادت القوات البحرية المصرية شراء سفينتين حربيتين متعددتي المهام بـ2.4 مليار يورو من شركة بناء السفن الإيطالية «فينكانتيري». وقدمت إيطاليا عرضًا سخيًا لتخفيض قيمة السفينتين إلى النصف في حال حصول البحرية المصرية على قرض تمويل من بنك «سي دي بي» الإيطالي قيمته 500 مليون يورو.

التعاون العسكري سبقه آخر اقتصادي، حين بلغت قيمة استثمارات شركة إيني للنفط والغاز الإيطالية في مصر 13 مليار دولار في 2019. وفي مجال التجارة وصل حجم التجارة بين البلدين إلى 7.2 مليار دولار في 2018، بحسب وزير التجارة والصناعة المصري. 

بعد أربعة أشهر من الإعلان عن مباحثات صفقة بيع الفرقاطتين الإيطاليتين، وبقاء باتريك أربعة أشهر قيد الحبس، قال وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، خلال جلسة برلمانية إن المباحثات بخصوص بيع القطعتين البحريتين لمصر ما زالت سارية، ولم يتم الانتهاء منها بعد. كما تطرق إلى قضية باتريك قائلًا: «نحن قلقون بخصوصه أيضًا، وتتابع السفارة الإيطالية في القاهرة تطورات الجلسات الخاصة به، وسنستمر في متابعة قضيته». أضاف كذلك أن حكومته لا زالت بتحقيق تقدم في التحقيقات الخاصة بجريمة القتل «الوحشية» لريجيني.

هذا «القلق» جاء على الأرجح كرد فعل على الضغط السياسي الداخلي في إيطاليا، بعد استمرار حملات دعم باتريك هناك، وتكرار الإشارة إلى عدم تحقيق أي تقدم في التحقيقات الخاصة بمقتل طالب الدكتوراه الإيطالي بجامعة كامبريدج، جوليو ريجيني، والذي كان يدرس وضع النقابات العمالية المستقلة في مصر، والذي عُذب وقُتل في يناير 2016 بعد اختفائه، واتهام النيابة الإيطالية قيادات أمنية مصرية بمسؤوليتهم.

وسط هذه الضغوط، اضطر الجانب الإيطالي للاهتمام بقضية باتريك لكنهم امتنعوا عن الإعلان عن أي موقف صارم. واكتفت مصادر إيطالية تحدثت إلى «مدى مصر» العام الماضي بالإشارة إلى أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر «قد» تعرقل قدرة الحكومة الإيطالية على تنفيذ اتفاقيات التعاون الاقتصادي والعسكري مع مصر.

سمع والد باتريك كلامًا كثيرًا عن كل هذا، لكنه يعود دائمًا إلى السؤال الأكثر إلحاحًا: «ما ذنبه ليقبض عليه؟».

على مدار الأشهر الخمسة الأولى من الحبس، لم يذهب باتريك إلى جلسات التحقيق، سواء من أجل تجديد حبسه أو إخلاء سبيله. أول رحلة له من السجن إلى النيابة كانت في 27 يوليو 2020، وهي أول مرة يرى فيه الشارع من خلال سيارة الترحيلات منذ بدء حبسه. تزامن ذهاب باتريك للنيابة مع أول حكم قضائي بالسجن باستخدام المادة «25»  من قانون جرائم تقنية المعلومات، حين أصدرت المحكمة الاقتصادية حكمًا بحبس صانعتي المحتوى على تطبيق تك توك، حنين حسام ومودة الأدهم، وهما حالتان تندرجان ضمن ملف النوع الذي عمل عليه باتريك وأراد إكمال دراسته في إيطاليا.

هذه العزلة في تلك الظروف زادت قسوتها على باتريك بسبب ما أضافه وباء كورونا -أو ما أضافته السجون تذرعًا بالوباء- من قيود على زيارات السجناء التي توقف. 

في ظل استمرار وقف الزيارات، تقدمت المبادرة بطلب إلى نيابة أمن الدولة العليا بشأن إجراء مكالمة تليفونية لباتريك، ولكن إدارة سجن طرة رفضت تنفيذه. أصدرت المبادرة بيانًا طالبت فيه وزارة الداخلية ومصلحة السجون السماح للمحتجزين والسجناء بالتواصل تليفونيًا مع أهلهم ومحاميهم لاطلاعهم على أي مجريات قد تطرأ على قضاياهم. تعطي المادة 38 من قانون تنظيم السجون، «لكل محكوم عليه الحق في التراسل، والاتصال التليفوني بمقابل…»، و«… وللمحبوس احتياطيًّا هذا الحق ما لم يصدر قرار من النيابة العامة المختصة أو قاضي التحقيق المختص بغير ذلك». عندما فُتحت الزيارات في أغسطس 2020 بعد خمسة أشهر من توقفها، كانت تحت شرط أن تكون الزيارة مرة واحدة شهريًا بحضور زائر واحد، كانت الأولوية لزيارة أهله، في سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر أول فرصة أتيحت لمحامية باتريك لزيارته كانت في ديسمبر 2020، كان قد مر على سجنه عشرة أشهر، تمكنت المحامية هدى نصر الله، من زيارة باتريك أخيرًا.

يقول باتريك إن «أصعب حاجة في السجن إنك بتكون خارج إطار الزمن. ممكن أكون مسجون ذات امتيازات بالنسبة لغيري. لكن بشكل عام، حياتك اليومية مبنية على مجموعة من الأخبار المبهمة، اللي انت بتحاول تفك طلاسمها، وتحللها مع الزملاء، وكل واحد يقول رأيه فيها، وبعدين تشوف ممكن تأثر على موقفك إزاي». يضيف: «وبعدين وانت في السجن أتفه خبر بتحاول تطوعه في إنه ممكن يكون سبب في خروجك. أتفه خبر. يعني لو الزمالك كسب ماتشين فتقول أنا حظي حلو.. الزمالك كسب ماتشين. أنا هخرج الجلسة الجاية».

استغرق هذا الخروج عشرات من مباريات الزمالك حتى حدث.

https://mada32.appspot.com/www.madamasr.com/ar/2021/12/13/feature/سياسة/باتريك-زكي-عندما-يفوز-الزمالك-في-السجن/?fbclid=IwAR2VDh5gloRZ3AxuMUt5WZ5be0nANGt7GuOtQa_B4SkPH8rUv4XeSocTTWk
Recent Posts

Leave a Comment