مدى مصر ـ
طالبت ست منظمات حقوقية مصرية، السلطات المصرية بالتدخل فورًا للإفراج عن عشرة نوبيين محتجزين في السعودية منذ ما يزيد على العام، مستنكرة، في بيان صدر اليوم، استمرار حبسهم، وعدم حصولهم على حقهم في محاكمة عادلة. وناشد اثنان من ذوي المحتجزين، تحدثا إلى «مدى مصر»، السلطات المصرية والسعودية للإفراج عن ذويهم، خاصة أن عددًا منهم من كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، كما أن غالبيتهم مقيمين بالسعودية منذ سنوات طويلة ولم يكن هناك أي مشكلات سابقة أثناء إقامتهم.
وتعود القضية، بحسب تغطيتنا في 20 يونيو الماضي، إلى 25 أكتوبر 2019، حين قررت الجمعية النوبية في الرياض، عقد ندوة بمناسبة حرب السادس من أكتوبر، وتم تجهيز «بانرات» لصور أبرز من شاركوا في الحرب من المصريين النوبيين، وكان أعلاهم رتبة عسكرية المشير محمد حسين طنطاوي. لكن قوات الأمن السعودية قبضت على العشرة، وحققت معهم في «عدم وضع صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي».
وبحسب ما قاله مصدر ذو صلة بالمحتجزين العشرة سابقًا، لـ «مدى مصر»، فسر المقبوض عليهم الأمر بأن الصور فقط لمن شاركوا في الحرب من النوبيين، ولا يوجد أي أسباب سياسية لعدم وضع صورة الرئيس السيسي، إلا أنهم اعتقلوا لمدة شهرين في سجن الحائر في الرياض، قبل أن يخلي سبيلهم على ذمة القضية مع المنع من السفر، قبل أن يُقبض عليهم مجددًا في 14 يوليو الماضي.
أما منظمات: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، ومبادرة الحرية، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، فقالت في البيان الصادر اليوم، إن الجهة التي ألقت القبض على المحتجزين العشرة، هي المديرية العامة للمباحث والتي تتبع رئاسة أمن الدولة في السعودية؛ وأنهم احتجزوا دون تحقيق، ودون تواصل مع محامين أو حتى السماح لذويهم بالزيارات، والاكتفاء بمكالمة أسبوعية عبر الهاتف، فضلًا عن نقلهم من سجن الحائر بالرياض إلى سجن عسير بمدينة أبها، بعد أربعة أشهر من القبض عليهم.
والمعتقلون العشرة هم: «عادل سيد إبراهيم فقير، رئيس الجالية النوبية الحالي بالرياض، وفرج الله أحمد يوسف، رئيس الجالية النوبية السابق بالرياض، وجمال عبدالله مصري، رئيس جمعية قرية دهميت النوبية بالرياض، وأعضاء جمعية قرية دهميت: محمد فتح الله جمعة، وهاشم شاطر، وعلي جمعة علي، وصالح جمعة أحمد، وعبدالسلام جمعة علي، وعبدالله جمعة علي، بالإضافة إلى وائل أحمد حسن، عضو جمعية قرية توماس النوبية بالرياض».
«إحنا لغاية دلوقتي مش فاهمين هم محتجزين ليه؟»، يوضح عمرو فرج الله يوسف، لـ «مدى مصر»، مضيفًا أن والده عمره 63 سنة، ومقيم بالرياض منذ حوالي 30 سنة، وشغل مناصب هامة هناك، من بينها مستشار لهيئة الآثار والسياحة السعودية، كما أن له مؤلفات ومشاركات تتعلق بمجالات الثقافة بشكل عام والآثار الإسلامية بشكل خاص، مؤكدًا أن الأسرة النوبية التي نظمت الصالون الثقافي الخاص بأبطال النوبة في حرب أكتوبر، لا علاقة لها بالسياسة. وأبدي عمرو قلقه على صحة والده، مع إصابته بمرض السكري، واضطراره في الاعتقال الأول لإجراء عملية جراحية في قدمه.فيما قال أحد أفراد أسرة عادل سيد إبراهيم فقير، مفضلًا عدم ذكر اسمه، أن فقير، عمره 64 سنة، وأنه يعمل محاسب في السعودية منذ الثمانينيات، مضيفا أنه أيضًا مصاب بالسكري، وأن والدته توفيت قبل ثلاثة أشهر، ولم تره قبل وفاتها، فيما لم يعلم فقير حتى الآن بوفاتها.
وبدوره أوضح المصدر أن الأسرة لا تعلم شيئُا عن القضية، «إحنا مش عارفين همّا خدوهم ليه؟ وبعدين طلعوهم، وخدوهم تاني ليه؟». وبينما أكد قريب فقير، والمصدر الآخر ذو الصلة بالمحتجزين أن بعضهم سئلوا عن عدم وضع صورة السيسي، نفى نجل يوسف الأمر، وقال إن والده سُئل فقط عن نشاط الأسرة الثقافي. ومع ذلك قال قريب فقير: «مفيش أي اتهام رسمي، مفيش سبب يدينهم، بقالهم 30-40 سنة هناك. لو بتوع مشاكل كان بان من بدري». عمرو يوسف أضاف أيضًا أنه لا يعلم شيئًا عن والده، لأنه ليس مسموحًا له بالتواصل معه هاتفيًا من السعودية، فالأب يتصل فقط بزوجته المقيمة في الرياض، والتي لم يسمح لها بزيارته إلا مرة واحدة قبل ستة أشهر، مضيفًا أن الزوجة غير مسموح لها التواصل مع السجن، وليس لها الحق في طلب زيارة، حتى عن طريق محاميهم السعودي الذي يتابع القضية، وليس بيده إلا انتظار خطاب بتحديد جلسة محاكمة.
الحال نفسها مع أسرة فقير، المسموح فقط لأفرادها الموجودين في السعودية بالاتصال به هاتفيًا، يقول المصدر: «إحنا بقالنا سنة، أنا قاعد هنا في مصر ومش جنبهم هناك، ومش عارفين نروح لمين ولا نتكلم مع مين، ومش عارفين وضعه إيه، يعني هو أكيد مش عايز يقلقهم عليه». كان بيان سابق من مركز الخليج لحقوق الإنسان، في 19 يونيو الماضي، قد طالب السلطات السعودية بالإفراج عن العشرة، وطالب بـ«حماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الإثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وبتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية، وتمكينها من القيام بأنشطتها السلمية دون أية مضايقات أو إجراءات تعسفية».
فيما أدان البيان الصادر اليوم أيضًا «موقف القنصلية المصرية بالسعودية والتي أصدرت بيان تنصلت فيه بشكل غير مباشر من مسؤوليتها عن المقبوض عليهم، وتقاعسها عن التدخل بشكل مباشر وواضح للإفراج عنهم أو حتى تقديم الدعم القانوني لهم»، مضيفًا أن القنصلية رفضت التدخل بأي شكل في القضية لكونها قضية أمنية وليست جنائية.
وكانت القنصلية المصرية في الرياض قد نشرت بيانًا، في 29 أكتوبر الماضي، أشارت فيه إلى أن «القواعد والأنظمة بالمملكة السعودية تحظر إنشاء جمعيات أو كيانات لجاليات الدول المقيمة بأراضيها»، داعية المواطنين لإلغاء هذه الكيانات في حال وجودها، وهو الموقف الذي اعتبره مركز الخليج في بيانه «دعمًا من الحكومة المصرية للإجراءات التي قامت بها السلطات السعودية».
بحسب بيان المنظمات الحقوقية المصرية، اتخذ ذوي المعتقلين عدة إجراءات «منها التواصل مع مسؤولين حكوميين مصريين بما في ذلك وزيرة الهجرة ومساعد وزير الخارجية، الذين أكدوا معرفتهم بالأمر ومتابعتهم، لكن دون تدخل ملموس. كما تقدم الأهالي بشكاوى لمجلس الوزراء دون جدوى»، وهو ما أكده الأهالي الذين تحدثوا إلى «مدى مصر».«يا ريت أوصل لجهة يفهمونا القصة فيها إيه»، يقول قريب فقير، فيما يضيف نجل يوسف: «الجهات الحكومية مش بتقولنا حاجة ملموسة. اتواصلنا مع السفارة المصرية، قالت لنا مالناش الحق القانوني في مخاطبة الداخلية السعودية بشكل مباشر، وقالوا السفارة هتخاطب الخارجية المصرية والخارجية المصرية تخاطب الخارجية السعودية والخارجية السعودية تخاطب الداخلية السعودية. خاطبنا الخارجية المصرية ومفيش رد لسه».
خاطبت أسرة يوسف أيضًا نائبين متتاليين عن دائرة نصر النوبة في أسوان، مسقط رأس المحتجزين العشرة، النائب السابق أخبرهم أنه خاطب وزارة الهجرة، والنائب الحالي أيمن فؤاد، أخبرهم أنه سلطته محدودة في الأمر، لكنه «شغال ع الموضوع»، بحسب عمرو. تواصل «مدى مصر» مع فؤاد مرتين، أنهى فيهما المكالمتين سريعًا، في الأولى قال «أنا ما اتواصلتش مع حد في الموضوع ده»، وفي الثانية قال إنه لا يستطيع الحديث حاليًا وأننا دائمًا نتصل به في وقت ضيق، وأنه سيعاود الرد علينا على الأمر، وهو ما لم يحدث.