In In Arabic - بالعربي

د. محمد أبو الغار ـ المصري اليوم ـ

فاز فيلم ريش بجائزة النقاد، وكذلك أفضل فيلم فى المسابقات الموازية فى مهرجان كان الفرنسى العالمى للسينما. المخرج عمر الزهيرى شاب موهوب عمره 33 عامًا بذل جهدًا كبيرًا لسنوات حتى أنجز عملًا عظيمًا. موهبته ظهرت حين قدم مشروع تخرجه فى مسابقة مهرجان «كان» للطلبة، وفاز عام 2013 بالجائزة الأولى عن فيلم مدته 5 دقائق ونال إعجاب السينمائيين الفرنسيين فقرروا دعمه فى إنتاج فيلم روائى. دميانة حنا، (أم ماريو)، سيدة صعيدية، من قرية البرشا بمركز ملوى بمحافظة المنيا، اختارها «عمر» لبطولة فيلمه، ونجحت نجاحًا كبيرًا.

أولًا: الموهبة والمثابرة والعمل الجاد كانت وراء النجاح المبهر.

ثانيًا: فكرة الفيلم هى عن تأثير «فرخة» على حياة بنى آدم. فى حفل عيد ميلاد الابن الأكبر فى البيت الفقير فى قرية البرشا يحضر ساحر بدائى فقير، ويُدخل الأب فى صندوق، وعندما يفتح الصندوق يتحول الأب إلى «فرخة»، ولا يستطيع أن يُعيده مرة أخرى إنسانًا، فأصبحت الأم مسؤولة عن الأسرة بالكامل. الفيلم مدته 100 دقيقة، وهو فيلم عدمى من نوع الكوميديا السوداء فيه السخرية من البؤس، ويقول المخرج إن أصعب وأهم جزء كان المونتاج.

ثالثًا: الفيلم تكلف 400 ألف يورو، وهو ما يعادل 8 ملايين جنيه، وهى تكلفة عدد كبير من الأفلام المصرية، وهو إنتاج فرنسى مع دولة أوروبية، ومن مصر شارك المنتج محمد حفظى والمنتجة شاهيناز العقاد. وهذا يعنى أن الميزانية ليست دائمًا العائق.

رابعًا: ربما يكون جزء من أسباب النجاح هو عدم الاستعانة بممثلين محترفين. ذهب المخرج إلى قرية البرشا لاختيار طاقم الممثلين. عندى علاقة وثيقة مع هذه القرية وأهلها عن طريق الصحفية تريزا سمير، التى هاجرت إلى أمريكا، وهى من تلك القرية. أختها يوستينا سمير التى أعرفها جيدًا قامت بمشروع ثقافى فنى بإنشاء مسرح الشارع بإمكانيات بسيطة. وعرضت على المخرج عددًا من السيدات والأطفال، واختار دميانة حنا، وعمرها 39 عامًا، مع طفلين من القرية، فادى مينا فوزى وعمره 9 سنوات وأبوسيفين نبيل ويصا وعمره 5 سنوات.

خامسًا: سألت «دميانة» زوجها وأولادها وأقاربها، ووافق الجميع على أن تقوم بالاشتراك فى الفيلم، وهو ما يشير إلى أفق مستنير فى القرية ربما من تأثير مسرح الشارع. «دميانة» أمية لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها استطاعت أن تحفظ الدور، وكانت سعيدة لأنها تجربة جديدة ولأنها سوف تكسب بعض المال.

الفيلم فيه خيال يؤدى إلى أشكال جمالية. وبعد اختفاء الزوج استطاعت هذه المرأة الأمية المُهمَّشة أن تعمل وتتحمل مسؤولية رعاية أربعة أطفال، وحتى حين اضطرت إلى السرقة تعاطف معها الجمهور. وفى الحياة الطبيعية الزوج يعمل فى ورشة فى طنطا بعيدة مئات الكيلومترات عن العائلة بسبب صعوبة وجود عمل فى الصعيد. أكبر أطفالها بنت اسمها «هايدى»، ولكن الولد «ماريو» أصر على أن تكون أمه «أم ماريو» وليست «أم هايدى».

وفى حديث صحفى، تقول «دميانة»: «حين اختارنى الأستاذ عمر ارتجفت من الخوف، وانبسطت، بس كنت عايلة هَمّ الدنيا كلها، بس الأستاذ عمر طمِّنى، وعلِّمنى، وكان بيصبر علىَّ علشان أنا مش متعلمة. ظروف جوزى وحشة، غاب عنى 6 سنين فى ليبيا، وماكُنّاش نعرف عنه حاجة. وأنا غلبانة شبه الست اللى فى الفيلم».

سادسًا: النجاح الكبير لهذا الفيلم، الذى سيكون فيلم الافتتاح فى مهرجان الجونة، يحكمه أن يكون العمل الفنى إبداعيًا حقيقيًا وصادقًا. الأفلام والمسلسلات الضخمة المبهرة التى بها الكثير من الدعاية قد تبهر البعض لفترة بسيطة، ولكنها لا تترك أثرًا ولا تحقق نجاحًا حقيقيًا. ولنجاح العمل الفنى لا بد أن تكون هناك حرية تامة للإبداع، القيود تقتل الفن وتؤدى إلى الفشل. المنافسة أمر مهم وحافز ضرورى، والاحتكار يقتل المنافسة، وبالتالى الفن، تمامًا.

سابعًا: الفيلم يعطى قيمة كبيرة للمرأة المصرية عمومًا، والصعيدية خاصة، فى مجتمع تعود على وضع المرأة فى مكانة أقل من الرجل، والمرأة التى كانت تأخذ مصروف البيت بصعوبة من الزوج أصبحت مسؤولة واستطاعت أن تتحمل المسؤولية.

ثامنًا: الفيلم يُعيد الثقة فى السينما المصرية والفن المصرى ويعطى رسالة إلى مئات من المخرجين الموهوبين فى مصر ألا يتركوا الفرص تمر أمامهم وأن ينحتوا فى الصخر. السينما فن جميل ورائع ومؤثر. ومصر كانت ثالث دولة فى العالم فى الإنتاج السينمائى وفقدت مكانتها. المنافسة أصبحت شديدة وتراجعت السينما المصرية. من المهم أن تستعيد مصر قوتها الناعمة وأن تترك السينمائيين فى حالهم. وكم كنت سعيدًا حين شاهدت فيديو إعلان النتيجة فى المهرجان، وقام «عمر» من كرسيه ليرقص بلدى فى القاعة، وصفقت معه قلوب المصريين، وأعطانا فرصة لأن نفرح، وهو شىء عزيز ونادر فى بلدنا.

تاسعًا: من المعروف أن التعصب فى مصر أدى فى أحيان كثيرة إلى عدم مساواة المسيحيين بالمسلمين وكذلك عدم مساواة الفقراء بباقى الشعب. والمرأة نصيبها من عدم المساواة- والضغوط التى تقع عليها- رهيب. والمعروف أيضًا أن الصعيد فقير ومُهمَّش. بطلة الفيلم تجمع بين كل هذه العوامل، فهى امرأة، وقبطية، وصعيدية، وفقيرة، وأمية. يقول الفيلم إن هذه المرأة حين جاءتها الفرصة استطاعت أن تحقق شيئًا عظيمًا. والشكر للجمعية الأهلية الموجودة فى البرشا، والتى استطاعت أن تنشئ مشروعًا ثقافيًا رائعًا، والتى تستحق كل التشجيع من الدولة والمجتمع وتجعلنا نهتم بمساعدة العمل الأهلى وتسهيل أموره.

وأخيرًا مبروك لعمر الزهيرى، الذى علمت أنه عنده بعض جينات جده فؤاد المهندس، ومبروك لدميانا حنا وكل أهل البرشا وفرقتهم المسرحية، ومبروك لمصر القادرة على الإبداع لو أُتيحت لها الفرصة.

قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك..

https://www.almasryalyoum.com/news/details/2385567
Recent Posts

Leave a Comment