د. خالد منتصر ـ
فى نهاية 2018، تم إعدام «عسلية» قاتل «يوسف لمعى»، لكن السؤال هل تم إعدام الفكر الذى أفرز وشكل عجينة «عسلية» الذهنية والعقلية؟
«عسلية» البائع المتجول ذبح «لمعى» صاحب المحمصة بسكين. الزمان القرن الحادى والعشرون لكن زمان «عسلية» كان مختلفاً، لديه فارق توقيت عشرة قرون. المكان شارع خالد بن الوليد فى الإسكندرية، لكن «عسلية» كان يهرول صارخاً الله أكبر فى مكان آخر بين كهوف صحراء البادية، ونصل سكينه يلمع ببريق الشمس اللافحة.
فى نهاية 2018، ومن الإسكندرية أيضاً كرر «برهامى» فتواه الكريهة بعدم تهنئة المسيحى فى عيده، فى نفس توقيت تشكيل المجلس الأعلى لمواجهة الأحداث الطائفية، وهى امتداد لفتواه الأكثر كراهية، التى قال فيها مارس الجنس مع زوجتك النصرانية بدون حب!
لا بد أن تكون أولى الأوراق المعروضة على المجلس هى اعترافات «عسلية» أمام النيابة، لنتعرف على خلفيته الفكرية ومخزونه الثقافى، ومن أى نبع شرب هذا الغل والشر والحقد. أقتبس بعض عبارات التحقيق لنتعرّف جميعاً على خطورة تلك الفتاوى الفاشية الملغومة التى نمر عليها ونأخذها باستخفاف لا يتناسب مع خطورتها.
قبل قتل يوسف لمعى كان المتهم قد تشاجر مع أحد سائقى التاكسى حول المخلوع محمد مرسى، وقال المتهم للسائق إن «مرسى» سوف يعود مرة أخرى للحكم، وسينكمش المسيحيون فى بيوتهم، على حد قوله. السائق لم يعجبه الحديث، وتوقف به فى الطريق لطرده من السيارة، فحاول المتهم الاعتداء عليه بسكين أبيض، إلا أن المارة منعوه، وفر هارباً. وقال إنه قد تعلم دينه من تسجيلات مشايخ السلفية، واعترف سايس الجراج الذى يخزّن فيه بضاعته بأن «عسلية» كان قد قابل داعية سلفياً للأسف ما زال يظهر فى التليفزيون حتى الآن، وأنه قد أقنعه بأنه لو قتل مسيحياً أو شيعياً سيدخل الجنة «حدف»! الداعية هو تلميذ من تلامذة الدعوة السلفية السكندرية التى يقودها الشيخ برهامى.
قال «عسلية» إنه وهب نفسه للدفاع عن الدين الإسلامى والسنة، قائلاً: «ماينفعش المسيحيين يعيشوا على الأرض أصلاً». وأضاف أنه يقوم بدعوة كل زبائنه الذين يشترون منه الحلويات، ويتعامل مع الأطفال والصغار بشكل أكبر، لأنهم الأسهل فى الحصول على المعلومة، وتطبيقها، مشيراً إلى أن الكثير يتشاجر معه، ويرفض كلامه، لكنه لا ييأس. وأكد «عسلية» متابعته «لعم يوسف»، منذ فترة طويلة، واكتشافه تهافت المواطنين لشراء الخمور من محلاته، حتى يوم الجمعة، قائلاً: «اكتشفت أنه يغوى حتى المسلمين لشراء الخمور يوم الجمعة». ويكمل المتهم: «كان الحل فى التخلص منه حتى يكون عبرة لكل من يعتبر، وأقدم رسالة للجميع حتى لا يقوموا بما يُغضب الله».
تلك هى الاعترافات التى تعكس تراثاً من الحشرية ودس الأنف فى شئون الآخر، وتعبر عن مدرسة مصرية تزرع الكراهية منذ الطفولة لكل صاحب عقيدة مختلفة. ستظل مصر تتناول ألف «عسلية» مسمومة كل يوم، تحارب البائع ولا تداهم المصنع. يوم أن نسأل من هو صانع العسلية سنكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح، وقتها سيتوقف خط الإنتاج، وسيتحول المصنع إلى أطلال، حينها سيتفرّغ العقل للإبداع العلمى والفنى، ويفرز عسلاً حضارياً، وليس عسلية منتهية الصلاحية.
______________________
https://www.khaledmontaser.com/article.php?id=2525&fbclid=IwAR0Gpj_DzoZweHf5hMMx6UE4DUg1f-BaVA8VOvYzB0Ad4i-gtPzVTZssNZ0#.XCzPL89Khqx