In In Arabic - بالعربي
د. فؤاد عبد المنعم رياض ـ الأهرام ـ

أعلن النائب الجليل إسماعيل نصر الدين تقديمه مشروعا ينص على حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي. وهى الخانة التى تشطر مصر إلى شطرين، والتى تحل الانتماء الدينى محل الانتماء الى الوطن الواحد والذى يشكل العمود الفقرى لكيان الدولة والذى لا تفرقة فيه بين أبناء الشعب. وقد نصت السلطة التشريعية منذ عقود على ضرورة ذكر خانة الديانة فى كل مستندات الدولة لتحقيق أهداف شعبوية حرصت عليها السلطة الحاكمة حينئذ لأسباب لم تعد خافية.

ومما يثير التساؤل بل الحيرة عدم إلغاء هذا النص حتى الآن رغم إهداره مبدأ المواطنة الذى ينص عليه الدستور المصرى الحالى والذى لا يقوم على اى انتماء ديني.

ومن شأن هذا الانتماء تشتيت شعب الدولة وتحوله الى كيانات منفصلة غير متكافئة، وهذه الكيانات التى تقوم بنيتها على الانتماء الدينى تتفاوت فى قوتها العددية مما يؤدى إلى هيمنة الأقوى منها على باقى شرائح المجتمع.

وقد حان الوقت كى تقوم سلطات الدولة تشريعيا وإداريا بتصحيح الوضع القائم ووضع حد للتمييز الصارخ القائم على الانتماء الدينى والمؤدى إلى التفرقة بين فئات الشعب وهيمنة القوى الدينية على المجتمع المدني.

من ذلك ما نشهده من تفرقة فى معاملة مؤسسات الدولة للمواطنين والتمييز بينهم على اساس الانتماء الدينى مما أدى إلى عدم وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب بسبب الانتماء الدينى وعدم الاعتداد بمبدأ الكفاءة لاختيار موظفى الدولة والقائمين على شئونها. ولا يخفى الضرر الناجم عن سوء الاختيار المترتب على عدم إعمال مبدأ الكفاءة فى مختلف المجالات، ومن بينها ضرورة عدم إعمال مبدأ الانتماء الدينى لاستبعاد أى فرد كفء بسبب ديانته بالنسبة للمبعوثين للخارج الذين يحددون مستقبل الوطن. ولعل خير مثال على ذلك الدكتور مجدى يعقوب الذى لم ينل فرصته فى التعيين رغم كفاءته وذلك بسبب انتمائه الدينى مما دفعه إلى الهجرة إلى الخارج ولكنه عاد للنهوض بالطب المصرى رغم ما سبق أن لاقاه من اضطهاد. ولم يعد خافيا على أحد زيادة هجرة مصريين أكفاء بسبب الانتماء الدينى وعدم المساواة الناجمة عن ضروره الكشف عن دين كل فرد فى كل مستندات الدولة. وقد سبق لى إبان رئاستى الجمعية المصرية للقانون الدولى فى العقد الاخير من القرن الماضى المطالبة بحذف خانة الديانة من كل وثائق الدولة، تأسيسا على أن الإبقاء على هذه الخانة يخالف الدستور ومبادئ حقوق الإنسان التى تنص عليها المواثيق الدولية التى تعد مصر طرفا فيها وعلى رأسها عدم التمييز بين المواطنين أيا كان انتماؤهم الديني. غير أن تلك المطالبة لم تلقَ قبولا حينذاك.

وبعد عقدين من الزمان قرر رئيس جامعة القاهرة إلغاء خانة الديانة من كل وثائق الجامعة، وتم إعمال هذا القرار دون اعتراض رسمى من جانب سلطات الدولة.

وجديرٌ بالذكر أنَّ المجلس القومى لحقوق الإنسان سبق أن قام بتقديم مشروع قانون متكامل لإنشاء هيئة عليا تكونُ بمثابة مرصد لمراقبة أى تمييز تقوم به أى جهة من الجهات سياسية كانت أو أهلية والقيام بالكشف عن أى إهدار لحق من حقوق الإنسان، واتخاذ اللازم نحو حماية أصحاب الحق المهدر إما مباشرة بطرح الأمر على القضاء وطلب التعويض اللازم، أو بإبلاغ السلطات المختصة كى تقوم باتخاذ الإجراء اللازم. إن الإبقاء على خانة الديانة يعد بمثابة جريمة مستمرة ضد الوطن، ويشكل تهديدا لوحدتها، ويثورالتساؤل حول الجهة المنوط بها النظر فى هذا الأمر. وفى تقديرى أنَّ عدم إلغاء خانة الديانة أمرٌ يزيد من الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كما يشكل مخالفة لأحد مبادئ الدستور الأساسية بأنَّ المصريين أمام القانون سواء، مما يُحتم حذف خانة الديانة التى تفرق بين أبناء الوطن الواحد. ولا شك أن مشروع حذف خانة الديانة الذى أعلنه أحد نواب البرلمان سوف يثير الجدل داخل مجلس النواب وخارجه لأسباب تمثل فى حقيقتها التعصب الدينى الذى لا تزال تعانيه مصر.

إن إقحام خانة الديانة فى كل مستندات الدولة يشكل عدوانا على أحكام الدستور المصرى الذى يقضى بعدم التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء الدينى، وفى الإبقاء عليه تدعيم للتفرقة بين المواطنين إذ إنَّ هذه الخانة التى تكشف عن الانتماء الدينى للمواطن هى من أهم أسباب حرمان شريحة من الشعب من حقوقها خاصة إذا تم تطبيقها من قبل فئات متطرفة من المجتمع.

http://www.ahram.org.eg/News/202837/4/680859/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%AE%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9.aspx

Recent Posts

Leave a Comment