In In Arabic - بالعربي

أحمد عبد المعطي حجازي ـ الأهرام ـ

 إذا حقا جادين فى محاربة الإرهاب فعلينا أن نقطع علاقتنا مع هذا الفكر ومع من يحتضنونه ومن يمثلونه جميعا فى الداخل قبل الخارج.. فهل نحن جادون فى محاربة الإرهاب؟

***

قبل أن أقرأ اسمه فى القائمة توقعت أن أجده فيها. والقائمة التى أتحدث عنها هى قائمة الأشخاص الذين أعلنت مصر مع الدول التى قطعت علاقاتها مع قطر فى الأيام الأخيرة أنهم ملبوبون للعدالة لأنهم إرهابيون يحتضنهم حكام قطر ويستخدمونهم فى أداء الدور الذى قرروا أن يؤدوه فى المنطقة العربية، بعد أن وجدوا أن حجمهم وحجم قطر لا يسمحان إلا بدور متواضع لم يرض غرورهم، خاصة وهم يلعبون بالمليارات التى تتدفق عليهم من آبار الغاز. وبدلا من دور نبيل متحضر كان يمكن أن يؤدوه فى مجالات التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التى يمكن أن تنهض بها المنطقة وتزدهر اختاروا أن يجعلوا شبه جزيرتهم ملجأ أو مخبأ أو معسكرا لجماعات الإسلام السياسى ولمنظماتها الإرهابية التى تعمل فى المنطقة وتحتاج لقاعدة تلم فيها شتاتها وترسم خططها وتنطلق منها لتضرب أهدافها ثم تعود.

دور يذكرنا بالدور الذى كانت تؤديه الجزر شبه المهجورة فى زمن القرصنة التى صورتها لنا السينما الأمريكية فى أفلام كانت تثير خيالنا بأبطالها ذوى اللحى السوداء والسيوف المتأهبة الذين تركوا أوطانهم وتحرروا من كل قانون والتزام وألقوا بأنفسهم فى الخضم المتلاطم. وهذا ما فعله حكام قطر ومن يحتضنونهم ويستخدمونهم من أصحاب اللحى السوداء والصفراء الذين ضمتهم قائمة المطلوبين باعتبارهم إرهابيين. فما هو الاسم الذى توقعت أن أجده فيها قبل أن أقرأها؟

الاسم الذى توقعت أن أجده هو اسم الشيخ يوسف القرضاوى الذى أرسلته قطر ليؤم الثوار المصريين فى ميدان التحرير فى صلاة الجمعة بعد انتصارهم المدوى ويحول الصلاة إلى بيعة له ولجماعته وسادته الذين أرسلوه.

القرضاوى ليس مجرد عالم من علماء الدين كما يظن البعض، وإنما هو قبل هذا إخوانى محترف انتمى لهذه الجماعة الإرهابية منذ حداثته وغادر مصر ليرتمى فى أحضان شيوخ قطر الذين استخدموه فى الحصول على دور يلعبونه فى المسرحية التى تدور حوادثها فى مصر وفيما حولها منذ استطاع ضباط يوليو أن يستولوا على السلطة فيوقفوا بجهلهم واستبدادهم ومغامراتهم الطائشة حركة النهضة ويفتحوا الباب لأهل الكهف الذين تدفقوا على مصر بعد هزيمة يونيو التى أعلن الشيخ الشعراوى أنها أنقذتنا من الشيوعية التى كانت ستنتشر لو انتصرنا فى الحرب وردتنا إلى الإسلام الذى لم يعد يمثله فى بلادنا إلا الإخوان ولم يعد يتحرك فى مصر إلى جانب الإخوان إلا من هم أكثر منهم تطرفا وعنفا وهمجية، أما الأحزاب المدنية التى خرجت من رحم النهضة ورفعت شعاراتها وتبنت ثقافتها الوطنية ونظمها ومؤسساتها الديمقراطية فلم يعد لها وجود.

هكذا أصبحنا نسير فى القاهرة فلا نكاد نجد شيئا من القاهرة التى عرفناها وعشنا فيها قبل نصف قرن. وكأن المدينة التى أخرجها الخديو إسماعيل من أزقة العصور الوسطى وزودها بالمدارس والمتاحف والمسارح ودار الأوبرا ومجلس النواب رجعت القهقرى وعادت إلى ما كانت عليه فى عصور الانحطاط. وكأن رواية المويلحى «حديث عيسى بن هشام» قد أصبحت واقعا حين خرج المنيكلى باشا من قبره فى نهايات القرن التاسع عشر بعد أن ظل دفينا نصف قرن ليفاجأ بعالم جديد لم يره من قبل. وهذا ما حدث لنا ولكن بالعكس، المنيكلى قفز قفزة هائلة خرج بها من الماضى إلى الحاضر. ونحن رددنا عليه بقفزة مماثلة خرجنا بها من حاضرنا لنسقط فى ماضيه!

بهذه المناسبة أقترح على وزارة الثقافة أن تلتفت إلى هذا التراث وأن تنشره فى أوسع نطاق ممكن، لأنه يعالج ما نحن فيه وكأنه كتب لنقرأه ونشاهده اليوم.

مسرحية توفيق الحكيم الرائدة «أهل الكهف» يجب أن تعرض فى المسرح القومى بما يحق لها ولصاحبها من احتفال. ورواية محمد المويلحى «حديث عيسى بن هشام»، التى لم تطبع إلا مرتين، الأولى فى أوائل القرن الماضى والأخيرة فى أوائل القرن الحالى، يجب أن تنشر الآن فى طبعة جديدة مع مقدمة يكتبها ناقد مختص مزود بالمعلومات التى يحتاج إليها القارئ ليعرف ما كانت عليه القاهرة فى حياة بطلها وما صارت إليه بعد رحيله.

وهنا أعود إلى الشيخ يوسف القرضاوى الذى لم أبتعد عنه كثيرا وأنا أتحدث عن أهل الكهف وعن عيسى بن هشام كما لم يبتعد هو عنا. فأنت تقرأ كتابه الأخير أو أحد كتبه الأخيرة «أمتنا بين قرنين» الذى صدر فى عدة طبعات عن دار الشروق فتجده مهتما أشد الاهتمام بالزمن، لكن على طريقة المنيكلى باشا الذى جاء من الماضى إلى الحاضر فوجد نفسه غريبا فى عالم غريب.

موقف القرضاوى من الزمن شبيه بموقف المنيكلى. والفرق أن المنيكلى حاول أن يفهم الحاضر وسار فى هذه المحاولة حتى دخل باريس، أما القرضاوى فقد أعلن الحرب على الحاضر وعلى كل ما قام عليه من أفكار ونظم. الدولة الوطنية، وسلطة الأمة الصادرة عنها وحقها المطلق فى اختيار حكامها وفى التشريع لنفسها. هذه الإنجازات التى حققناها فى نهضتنا الحديثة يعتبرها القرضاوى تغريبا واستعمارا ثقافيا وغزوا فكريا ويرفع شعاره الإخوانى المضلل «الإسلام هو الحل».

والإسلام بالنسبة للقرضاوى ولجماعته هو ماضى الإسلام ودوله التى قامت فى العصور الوسطى الدولة الدينية، والجمع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية فى يد واحدة. والتمييز بين المسلمين وغير المسلمين، وبين الرجال والنساء.. باختصار، الإسلام هو الحل معناها الانسحاب من حضارة العصر لأنها فى نظر القرضاوى وجماعته إلحاد وانحلال. والباقى منطقى، وهو الإرهاب الذى يسمونه جهادا لإقامة هذه الدولة التى يدعو لها القرضاوى وجماعته وبقية الجماعات التى أعلنت الحرب علينا وعلى العالم. ومن هنا احتل القرضاوى المكان الذى احتله فى قائمة المطلوبين للعدالة بتهمة الإرهاب التى سيفصل فيها القضاء إذا سلم نفسه له. وتظل مشكلتنا مع الإرهاب قائمة، لأن الإرهاب ليس محصورا فى فعل أو شخص معين وإنما الإرهاب فكر لا يتبناه القرضاوى وحده، وإنما يتبناه كثيرون يعيشون بيننا ويقولون ما يقوله القرضاوى دون أن ينتموا بالضرورة للاخوان أو لداعش ودون أن يحملوا السلاح.

مشكلتنا مع الإرهاب هى مشكلتنا مع فكر العصور الوسطى. هذا الفكر هو الإرهاب بعينه. فإذا كنا حقا جادين فى محاربة الإرهاب فعلينا أن نقطع علاقتنا مع هذا الفكر ومع من يحتضنونه ومن يمثلونه جميعا فى الداخل قبل الخارج.. فهل نحن جادون فى محاربة الإرهاب؟!

http://www.ahram.org.eg/News/202295/4/599095/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8.aspx

Recent Posts

Leave a Comment