لو فيجارو ـ
شبكات واسعة الانتشار، تنظيم سري، أحياءٌ أُسلمَت… تقريرٌ صادمٌ حول الإخوان المسلمين الذين يسعون لتطبيق الشريعة في فرنسا.
خاص وحصري – على مدار ٧٣ صفحة موثّقة من قِبل أجهزة المخابرات، ترسم الدراسة التي سُلّمت لبرونو ريتايو (وزير الداخلية) صورةً مقلقةً لبلدٍ يُنهَك من الداخل. النسخة التي رُفعت عنها السرية، والتي كشفت عنها صحيفة “لو فيجارو”، تُعدّ شديدة الانفجار.
“نحن، الإخوان المسلمون، نشبه قاعة ضخمة يمكن لأي مسلمٍ أن يدخلها من أي بابٍ ليشارك فيما يرغب فيه. فإن بحث عن التصوف، وجده. وإن بحث عن فهم الفقه الإسلامي، وجده. وإن بحث عن الرياضة والكشافة، فذلك موجود هنا. وإن بحث عن القتال والكفاح المسلح، وجدهما. (…) لقد جئتم إلينا وهمّكم “الأمة”. هكذا أرحب بكم.” هذا الخطاب ألقاه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، عام ١٩٢٨، في الإسماعيلية، بالقرب من القاهرة. هذا التبشير الشرس، الذي لم يُنفَ منذ ذلك الحين، لم يكن له سوى هدف واحد: التجنيد لإقامة دولة إسلامية في نهاية المطاف وفرض نير الشريعة. بعد ما يقرب من قرن من الزمان، بات من الواضح أن فرنسا أصبحت بوابةً مفتوحةً على مصراعيها.

التقرير الحكومي الصادم والمعنون “الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا”، والذي سُلّم مؤخراً بطلب من وزير الداخلية برونو ريتايو، وتكشف عنه صحيفة “لو فيجارو” حصرياً، كافٍ للإقناع بذلك.
لترسيخ حجتهما، قام المؤلفان، وهما (موظف كبير بدرجة) محافظ، وسفير، خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٤، بعشر زيارات ميدانية في فرنسا وأربع في أوروبا، مستعينين بالشبكة الدبلوماسية. وقبل تقديم هذه الوثيقة المتفجرة، التي حملت ختم “سري” في نسختها الأصلية والتي طُلبت قبل عام من ثلاث وزارات (الخارجية، الجيوش، والداخلية)، التقيا بما لا يقل عن ٤٥ أكاديميًا فرنسيًا وأجنبيًا ذوي توجهات متنوعة. ولم يغفلا سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين المسلمين، على المستويين الوطني والمحلي، منها ثلاثة مع مسؤولي “(اتحاد) مسلمي فرنسا”، التي تُعد امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا. وبالإضافة إلى مراجعة المقالات والمؤلفات الأكاديمية حول المسألة، أخيراً أجروا حوارات معمّقة مع أجهزة المخابرات، ووزارة الخارجية الفرنسية (كيه دورسيه)، وجميع الإدارات المعنية بتحليل الظاهرة ومراقبتها.
١٣٩ دار عبادة معنية
على مدار ٧٣ صفحة موثّقة من قِبل أجهزة المخابرات، يرسم التقرير صورةً مقلقةً لبلدٍ يُنهَك من الداخل بفعل جماعة قامت فيه ببناء “شبكة واسعة من المواقع”.
ويكشف التقرير أن “ما مجموعه ١٣٩ دار عبادة، تابعة لاتحاد “مسلمي فرنسا” – والذين يُقدمون على أنهم “الفرع الرئيسي للإخوان في فرنسا” رغم نفيهم لذلك – “تم إحصاؤها على التراب الوطني، يضاف إليها ٦٨ تُعتبر قريبة من الاتحاد، موزعة على ٥٥ مقاطعة”. ويوضح المؤلفون أن “هذا يمثل ٧٪ من ٢٨٠٠ دار عبادة إسلامية مسجلة على الأراضي الوطنية و١٠٪ من تلك التي افتُتحت خلال الفترة من ٢٠١٠ إلى ٢٠٢٠ (٤٥ من أصل ٤٤٧)”، ويقدرون أن “إجمالي عدد المصلين في المساجد التابعة للحركة أو القريبة منها يبلغ في المتوسط ٩١ ألف مصلٍ يوم الجمعة”. وإذا كان “اتحاد مسلمي فرنسا لا يعترف اليوم سوى بتبعية ٥٣ جمعية له”، فإن الوثيقة، التي رُفعت عنها السرية قبل نشرها، تؤكد أن “العناصر التي تم جمعها تشير إلى وجود ٢٨٠ جمعية مرتبطة بالحركة، تعمل في قطاعات متعددة تُؤطّر حياة المسلم (دينية بالإضافة إلى خيرية، مدرسية، مهنية، شبابية، أو مالية)”. وتُقدر “الدائرة الضيقة” للحركة، أي “النواة الصلبة” “القابلة لأداء اليمين” لتوجيه هذه المنظمة السرية، “بحسب “المراقبين المتفحصين للحركة” بـ “٤٠٠ شخص ولا يتجاوز بأي حال من الأحوال ١٠٠٠ شخص كحد أقصى”. ويُقيّم المحللون أن “ميزانية اتحاد مسلمي فرنسا، حسب أقوالهم، تبلغ حوالي ٥٠٠ ألف يورو، وقد انخفضت بمقدار النصف منذ خمس سنوات”، ويلاحظون أن “غياب تنظيم التجمع السنوي في (منطقة مطار) لوبورجيه، الذي كان يجمع في سنوات ٢٠١٠ أكثر من ١٠٠ ألف مسلم من جميع التوجهات، أثر بشكل كبير على مواردها المالية”. وعبر صناديق الوقف التي “لجأت إليها الحركة بشكل مكثف في أواخر الألفية”، بالإضافة إلى شركات العقارات المدنية (SCI) ، “تمكنت مشاريع (اتحاد) مسلمي فرنسا حتى عام ٢٠١٩ من الاستفادة من تمويلات أجنبية قادمة من قطر”، يذكر التقرير الذي يسرد مواقع ستراسبورج، مولهاوس، فيلنوف داسك، شيلتيجهايم، ليل، مارسيليا ومساجد سين سان دوني. ويُزعم أيضاً أن أموالاً من المملكة العربية السعودية جاءت لتمويل كيان في مولهاوس بالإضافة إلى المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH)، المتخصص في تدريس اللغة العربية وتعليم القرآن.
نواةٌ قوية من المدارس الطائفية، وجمعيات خيرية مزدهرة، ومخزونٌ هائل من الدعاة.
“يُعد القطاع التعليمي أولوية لفرع الإخوان المسلمين في فرنسا، بدرجة تميزه عن نظرائه الأوروبيين”، يلاحظ التقرير الذي يكشف أنه في سبتمبر ٢٠٢٣، “تم تحديد ٢١ مؤسسة تعليمية مرتبطة بالحركة ‘الإخوانية’ (١٨ بشكل مباشر وثلاثة تُعتبر قريبة) وتستقبل ما مجموعه ٤٢٠٠ طالب للعام الدراسي الحالي”. ويضيف التقرير أن “خمس مؤسسات تعليمية إسلامية فقط لديها عقد شراكة مع الدولة، ثلاث منها تابعة للاتحاد الوطني للتعليم الخاص الإسلامي (Fnem)”، كما يسلط الضوء على وضع ثانوية «أڤيروس» (ابن رشد) في مدينة ليل، التي طلب المحافظ إلغاء عقد شراكتها مع الدولة. وقد خضعت هذه الثانوية، التي وُصفت بأنها “المؤسسة الرائدة للتعليم الإسلامي في فرنسا”، لتدقيق أجرته الغرفة الإقليمية للمحاسبات، والذي “كشف عن تلقي تمويلات غير مشروعة في شكل قروض مع إسقاط ديون من مساجد مجاورة ومركز «ڤيلنوڤ داسك» الإسلامي، الذي يُمول هو نفسه من الكويت وقطر ومصر (..)”، و”نواقص خطيرة في الموارد التعليمية المتاحة للطلاب” ووجود مؤلفات “محتواها يتعارض مع قيم الجمهورية”، لا سيما كتب من تأليف إقيوسن، إمام الجامع ذي التوجه الإخواني، والمُرحّل إلى المغرب والمدرج في قائمة الأشخاص الذين يشكلون خطراً على أمن الدولة، وكذلك كتاب “أربعون حديثاً للإمام النووي” التي تدعو إلى “تحريم اختلاط النساء بالرجال وفحصهن (طبيا) من قبل رجل، وحظر الردة تحت طائلة الإعدام، وسيادة القوانين الإلهية على أي قانون آخر”.
العناصر التي تم جمعها حول ثانوية الكندي، الواقعة في ديسين بالقرب من ليون، قد تدفع المحافظة إلى اتخاذ “إجراءات ضدها”، يحذر التقرير الذي يؤكد أن هذه المؤسسة “النخبوية”، التي “تستقبل ٦٠٨ طلاب”، “تشكل مع مسجد ڤيلوربان إحدى الركائز الرئيسية للحركة الإخوانية في إقليم الرون”. “يتطور استثمار هذه الحركة في القطاع التعليمي في سياق زيادة مستمرة في الانتهاكات ضد العلمانية، كما هو ملاحظ ومسجل في الوسط المدرسي، والتي يغذيها نشاط الدعاة عبر الإنترنت”، يشدد التقرير، والذي يشير إلى “ذروة” بلغت ٣٣٠٩ “انتهاكات للعلمانية في الربع الأول من عام ٢٠٢٣/٢٠٢٤ وحده”، تأثرت بحظر العباءة في سبتمبر، ومجزرة ٧ أكتوبر، والحرب في غزة، ثم الاعتداء على دومينيك برنارد (مدرس، قتله طالب إسلامي متطرف) في أكتوبر ٢٠٢٣. البيانات التي كشف عنها التقرير مذهلة، مثلا: “٨١٥ مدرسة قرآنية تم إحصاؤها في أوائل عام ٢٠٢٤ في جميع أنحاء التراب الوطني (باستثناء الأقاليم ما وراء البحار وباريس)، وتستقبل ما مجموعه ٦٦٠٥٠ طالباً قاصراً”. أكثر من ثلثها “تتطور ضمن تيار أصولي للإسلام، منها ١١٤ مرتبطة بالحركة الإخوانية”.
“الدعوة 2.0”
على شبكات التواصل الاجتماعي، تتولى “ديناميكية “الدعوة 2.0″” القيادة، حيث يُعتبر “المؤثرون (على وسائل التواصل الاجتماعي)” “غالبًا بوابة أولى لاكتشاف الإسلام وقد أصبحوا حلقة الوصل بين الأيديولوجيات الإسلاموية والشباب الأوروبي الناطق بالفرنسية”. يدقّ التقرير ناقوس الخطر بشأن “نشاط جيل جديد من الدعاة، غالبًا ما يتم تدريبهم من قِبل الكوادر الدينية الأولى للحركة، والذين (..) يخضعون لتهجين مع السلفية”، والذي “يشكل عاملًا رئيسيًا في نشر الإسلاموية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يلقون جمهورًا واسعًا”. من بين “حوالي عشرين مؤثرًا لهم تأثير حقيقي على الشبكات”، يذكر التقرير “هذا الناشط الإسلامي الذي يشير غالبًا إلى طارق رمضان”. ووفقًا لمصدر مطلع، فإنه يُعتقد أنه مروان محمد، المدير السابق لـ “تجمع مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا”، والمقيم حاليًا في المنفى بكندا. بصمت، تُحكم الحركة الإخوانية المتغلغلة قبضتها بفضل شبكة من “حوالي ثلاثين جمعية خيرية إسلامية تم تحديدها على المستوى الوطني، منها ١٦ تديرها السلفية وأربعة تابعة أو كانت تابعة للحركة الإخوانية”. إحداها، “هيومانيتير” (Humani’terre)، التي أُنشئت عام ٢٠١٨ لجمع التبرعات لصالح السكان الفلسطينيين، تخضع لتحقيق أولي بتهمة تمويل كيان إرهابي لصالح حماس.

في سعيٌ دائمٌ للـ “الشرعية والاحترام”، الإخوان المسلمون يتقدمون متخفين لخلق منظومات بيئية حقيقية.
منذ ثمانينيات القرن الماضي، تسعى الحركة إلى الاندراج ضمن الإطار القانوني لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) سابقاً – والذي، حسبما يؤكد التقرير، “لا يُعلن إلا عن جزء من أنشطته والجمعيات التابعة له للحد من مراقبة السلطات الفرنسية على الحجم الفعلي للحركة”. وبفضل معلوماتهم الدقيقة، يصف مؤلفو الوثيقة: “يتم إرساء تنظيم مزدوج، حيث تترافق الهيئة الرسمية مع مجلس إدارة إسلامي، لا يعرفه سوى الأعضاء المكلفين بوضع استراتيجية المنظمة”. وإذ جعلت الحركة من الحجاب “حامل لواء الحفاظ على الدين في سياق علماني ومتحرر” بعد قضية الفتيات المحجبات في كلية كريل عام ١٩٨٩، فإنها “تحشد” أيضاً لـ “إنشاء قطاع (الأطعمة والاقتصاد) الحلال، والترويج للتمويل الإسلامي”. “لا تزال هذه المواضيع تغذي أعضاء اتحاد مسلمي فرنسا ويتم رصدها في بعض المناطق”، يشدد التقرير الذي يذكّر أيضاً بأن مسألة “الإسلاموفوبيا” وما يتبعها من “التمادي في دور الضحية (…) لا تزال، اليوم، حاضرة بقوة على مستوى الجمعيات المحلية”. وإذا كان الخطاب العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) ثم (بديله الحديث) «اتحاد مسلمي فرنسا» يتجنب إشعال فتيل الجدل حول “إسلاموفوبيا الدولة”، تاركاً هذا المجال لتجمع مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا (CCIF) السابق، فإن التقرير يشدد على الدعوات إلى “المشاركة في الحياة الجمعياتية والعامة لتأكيد هوية إسلامية”. وبهدوء تام، تُحسّن الحركة صورتها لتهدئة السلطات، ولا سيما وزارة الداخلية، حتى تمكنت من الانضمام إلى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM).
“تأطير حياة المسلم”
يعرب التقرير عن أسفه مؤكدا: “وهكذا تجد الحركة شرعية، وقد عزز هذا الاحترام الجديد من تطور المنظومات البيئية على المستوى المحلي”.
ويُفكّك المحللون آليات عمل لا مفر منها. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، يتم “ابتلاع” هذه المنظومات البيئية، التي تهدف إلى “تأطير حياة المسلم من ولادته حتى وفاته“، على المستوى الإقليمي، بفضل وسطاء فاعلين (جمعيات، مؤثرون، وحتى منتخًبون في بعض الأحيان) مرتبطين أحياناً بالحركة، ولكنهم يعملون بشكل متزايد في تهجين مع السلفية. “تتكون هذه المنظومات البيئية حول مسجد يقدم عادة دروساً في التربية القرآنية”، وتشمل “محلات تجارية مجتمعية أو أنشطة رياضية منفصلة عن المسجد، مع [رغبة] في الاستثمار في مجال التعليم الخاص”. ويصف التقرير أن “الرحلات، التنمية الشخصية، والمساعدة في الحصول على فرص العمل، أو مواقع المواعدة، كلها جزء من طيف الأنشطة المطورة”، ويوضح أن خريطة هذه المنظومات البيئية تتطابق مع خريطة التجمعات السكانية المسلمة. “تتأصل هذه المنظومات في أحياء ذات أغلبية مسلمة تعاني من الفقر عادة، والتي تُعتبر غالباً مناطق تدخل ذات أولوية لسياسة المدينة، وهي تلبي احتياجات السكان”، يشدد التقرير، ويتابع: “المسؤولون، وهم غالباً نشطاء متمرسون، يتفاعلون مع البلديات، غالباً في إطار علاقة قائمة على المحسوبية، لتعزيز مواقعهم. وتُفرض المعايير الاجتماعية (الحجاب، اللحية، الملابس، احترام صيام رمضان) هنا وهناك، كلما ازدادت المنظومة البيئية تماسكاً”. وإذا كان هذا الداء (الغرغريني) يبدو وكأنه ينتشر في جميع أنحاء البلاد، فإن “كثافة هذه المنظومات تبدو الأعلى في مناطق «رون-ألب» في الشمال، و«الشرق الكبير»، و «إيل دو فرانس»، و «بوش دو رون.»”
وبصورة تتمحور ضمن “إقطاعيات أقل تبعية للمستوى الوطني”، يتم “تكرار هذه الآلية للعمل الإقليمي اليوم من قبل جمعيات أخرى، مستقلة أو تابعة لتوجهات مختلفة، مهجنة أيديولوجياً، خاصة لتلبية رغبة البحث عن الهوية لدى الشباب المسلم”. ويلاحظ المحللون بقلق أن دعاة إعادة أسلمة المجتمع “يستعيرون من النضال الاحتجاجي للحركة الإخوانية والسلفية، بل وحتى المالكية التقليدية، لحشد أتباعهم”. وفي منطقة ليون، “تم إحصاء ما لا يقل عن خمسين جمعية إسلامية (…) تُظهر بشكل عام توجهًا إخوانيًا”، يكشف التقرير، الذي يوضح أن “مسجدين مهمين”، أحدهما مسجد ڤيلوربان حسب معلوماتنا، ومؤسسة تعليمية، يلعبان “دورًا هيكليًا”. وبوجودهم في كل مكان، يؤثر رجال الدين في كل الاتجاهات “في مجالات الأعمال الخيرية والإنسانية، والتعليم الديني، والأسرة، والزواج، والإدماج المهني، وريادة الأعمال الإسلامية، وحماية المستهلكين، وخدمة الأفراد، وتدريب البالغين”، وبالطبع، “مكافحة الإسلاموفوبيا”. وتُترجم هذه السيطرة الكاملة إلى “تشدد في الممارسة الدينية مع عدد مرتفع جداً من الشابات اللواتي يرتدين العباءة، والزيادة الهائلة والواضحة في عدد الفتيات الصغيرات اللواتي يرتدين الحجاب”. وبدعم “من دافع وهابي-سلفي قوي”، فإن “ظاهرة الحجاب” تصل الآن أطفالًا تتراوح أعمارهم “أحيانًا بين ٥ و٦ سنوات”. “أشبالٌ” من الإسلام الراديكالي ينذرون بالأسوأ في جمهورية مهددة.
هجومٌ مستمرٌ منذ ٧٠ عاماً
يذكّر التقرير أن هذا الهجوم الإخواني في فرنسا وأوروبا قد بدأ منذ حوالي ٧٠ عاماً.
“بفضل الحركات الهجرية وبسبب القمع الذي تعرضوا له في العالم الإسلامي ابتداءً من خمسينيات القرن الماضي”، استقر أوائل الإخوان المسلمين القادمين من الشرق الأوسط “في بريطانيا العظمى، وألمانيا، وسويسرا”. ثم “تمركز بعضهم في بلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا”. في فرنسا، في الخمسينيات أيضاً، “ظهر وعي ديني في أوساط العمال المسلمين المهاجرين، خاصة حول شخصية العالم الهندي واللاجئ السياسي، محمد حميد الله، الذي كان يعظ في باريس، بمسجد الدعوة، شارع طنجة”. حميد الله هو من أسس عام ١٩٦٣ جمعية الطلاب الإسلاميين في فرنسا (AEIF) . وفي الوقت نفسه، اضطر صهر حسن البنا (مؤسس الجماعة في مصر عام ١٩٢٨)، سعيد رمضان، إلى مغادرة وطنه مصر والتوجه إلى سويسرا. أسس عام ١٩٦١ المركز الإسلامي في جنيف، “الذي أُنشئ بدعم من المملكة العربية السعودية والذي تقارب بسرعة من «جمعية الطلاب الإسلاميين في فرنسا» الناشئة عندئذ، حيث تطورت الروابط بينهما”.

في فرنسا خلال السبعينيات والثمانينيات، لوحظ “هيكلة الحركة بمساهمة تيارين، سوري ومصري“. وتمكن طالبان، عالمان في العلوم الدينية، وصلا في أوائل الثمانينيات، من توحيدهما. فيصل مولوي، لبناني الجنسية، والتونسي أحمد جاب الله، “تم تحديدهما كمبعوثين مباشرين للجماعة ويعتبران أهم المفكرين المنظمين” لحركة فرنسية، هيكلت نفسها ابتداءً من عام ١٩٨٣ ضمن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF).
هذا التقدم الملحوظ يفسر بحقيقة أن “الإخوان المسلمين قد صمموا، منذ الأصل، قالب الإسلام السياسي المعدّ للزرع في الغرب”.
ويفصل التقرير بناء أيديولوجية الجماعة. “منذ الأصل، صُمم الإسلام من قبل الإخوان المسلمين كنظام شمولي، يحكم جميع مجالات حياة المسلم، بما يتجاوز المجال الديني وحده”. وبالنسبة لحسن البنا، مؤسس الجماعة عام ١٩٢٨ في مصر التي كانت تحت الهيمنة الإنجليزية، فإن “الإسلام هو الحل [لمواجهة] الغزو العسكري والسياسي والعرقي والاجتماعي القادم من الغرب”. ويتمحور مشروعه “حول هدفين: إنشاء دولة إسلامية وتطبيق الشريعة“. وهو ينظر لـ”استراتيجية غزو الغرب”: “سنلاحق هذه القوة الشريرة (الغربية) حتى أراضيها، وسنغزو قلبها الغربي، وسنقاتل لهزيمتها حتى يصرخ العالم بأسره باسم النبي”.
أيديولوجية سياسية “متغربة”
بالنسبة لمعدِّي التقرير، “فإن قالب الإسلاموية (الإسلاميزم) الذي أرسته جماعة الإخوان المسلمين، (والناشئ عن أيديولوجية سياسية تم تغريبها لتُزرع في أوروبا)، يزاوج بين ثقافة وتقاليد شرق أوسطية في بلدان التوطين، والإخفاء التكتيكي لتطرف أصولي تخريبي”. ويذكّر التقرير بالمحددات لهذا المشروع. أولاً، “أسبقية القانون القرآني“. ثم “مفهوم الاختلاف، وخاصة الديني، ذو الأبعاد المتغيرة”، على سبيل المثال عندما يُبرز أحد كوادر الحركة صداقاته الكنسية، ثم ينتقد في فيديو “الأكاذيب المنتشرة باسم المسيحية” مؤكداً “تفوق السرد القرآني وزيف السرديات الأخرى”. ومن المحددات الأخرى لأيديولوجية لا تزال “تقوم على تحديد ‘خاص بالنوع الاجتماعي، بل جنسي’ الذي يجعل عدم الاختلاط قاعدة ويستغل ارتداء الحجاب”: “تقليل شأن المرأة، ولكن تمجيد المرأة المحجبة” مع الدور النشط الذي تلعبه زوجات كوادر الحركة و”جيل ثالث من النساء”.
المحدد الرئيسي الأخير: “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو الدافع الأبدي لمعاداة الصهيونية، بل لمعاداة السامية التي تزداد وضوحًا”.
يعمل هذا الصراع “كمحفز لمعاداة الصهيونية التي ساندتها الجماعة تاريخياً، ولتحولها داخل الحركة إلى معاداة للسامية، بفضل دوافع مثل “الحجج القائمة على نظرية المؤامرة، والاختزال في إسرائيل (الخلط بين الإسرائيليين واليهود)، وفكرة الهوية الإسلامية غير القابلة للاختزال (إشارة إلى معاداة اليهود في الإسلام) أو العداوة الطبيعية بين اليهود والمسلمين”. وفي فرنسا، يلاحظ التقرير أن “معاداة السامية لا تزال حاضرة في خطابات أعضاء الحركة”. يشدد الخبراء أنه “منذ هجمات ٧ أكتوبر، يُلاحظ تصاعد في الأنشطة المعادية للصهيونية داخل المساجد، بفضل الغضب الذي أثاره العدد الكبير من الضحايا البشرية جراء الرد الإسرائيلي في غزة”. وفي أحد مساجد منطقة الإيسون، وتحديداً مسجد ماسي حسب تأكيدات مصادر مطلعة للغاية، “تمت دعوة وعاظ ومحاضرين معادين للصهيونية” “للتحدث عن الوضع في فلسطين”، ووزير فلسطيني سابق يعلن هناك “أنا حماس” وسط تصفيق المصلين…
الخداع، ومناهضة الإسلاموفوبيا
أخيرا، تعتمد استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين في التمركز على الخداع، والسعي للحصول على الشرعية، ومناهضة الإسلاموفوبيا.
تتميز الجماعة، التي يتبنى أعضاؤها “التمسك بالسرية لدرجة العبادة” وينضمون إليها بعد اجتياز “عملية من عشر خطوات”، بأنها تقوم، كما يكشف التقرير، على “تنظيم مزدوج، أحدهما رسمي لاحترام الإطار القانوني والآخر سري، يدور حول مجلس من القضاة”. وفيما يتعلق بالخطاب المزدوج، يستشهد التقرير بشكيب بن مخلوف، الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي أصبح الآن مجلس المسلمين الأوروبيين، والذي يقر بأن الإطار القانوني الأوروبي يسمح بـ “تقديم نموذج لمسلمٍ محترمٍ يعتبر قدوة حسنة لنشر الإسلام بطريقة إيجابية دون لفت الانتباه […] إلى حقيقة أننا نُأسلم الغرب.“
لقد ترسخ مفهوم الإسلاموفوبيا منذ سنوات الألفين. ويشير التقرير إلى أن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا السابق (UOIF) أو (الآن) “مسلمو فرنسا” “احتفظا بموقف حذر بشأن هذا الموضوع، تاركين المجال لجمعيات أكثر ارتباطاً بهوية الحركة” مثل، “في المقام الأول”، التجمع (السابق) لمكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا (CCIF)، الذي حُلّ عام ٢٠٢٠ وأصبح بعدها على الفور أوروبيا (CCIE ) ومقره بروكسل. وأخيراً، يشير المؤلفان أيضاً إلى “أن هناك تداخلاً بين نشطاء مكافحة “الإسلاموفوبيا” و”اللامركزية” ، مثل “حزب سكان الجمهورية الأصليين”. وتخلص دراستهم بشكل أعم “إلى أن الروابط بين الحركة الإخوانية والنشاط التقاطعي موجودة لكنها لا تزال حتى اليوم عرضية (مثال: المسيرة الوطنية ضد الإسلاموفوبيا في ١٠ نوفمبر ٢٠١٩) بسبب اختلافات كبيرة، لا سيما مسألة مجتمع الميم.“
يعتبر التقرير أيضاً أن “الإخوان المسلمين، بسبب فقدان نفوذهم في العالم العربي والإسلامي، يركزون عملهم في أوروبا.”
هكذا فإن نفوذهم “في تراجع مستمر في شمال إفريقيا والشرق الأوسط“. وتُشكل السنغال وموريتانيا فقط استثناءً، ولكن بنفوذ معتدل. وتُقدم تركيا أردوغان على أنها “استثناء“، و”المركز الرئيسي للجماعة في الشرق الأوسط“. ويُفصل التقرير قائلاً: “على مستوى الشرق الأوسط، شكلت تركيا مع قطر محور دعم قوي للإخوان المسلمين، يعارض المحور الذي شكلته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”. وهكذا أصبحت أنقرة “القاعدة الخلفية” لحملات مثل مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد خطاب إيمانويل ماكرون في مورو حول الانفصالية. و”تقدم تركيا أيضاً دعماً لوجستياً ومالياً لا غنى عنه للفرع الأوروبي للجماعة.“
تعول جماعة الإخوان كثيراً على أوروبا. أولاً من خلال “شبكة من المنظمات المهيكلة، خاصة للضغط على المؤسسات الأوروبية” مع “حجر الزاوية” : مجلس المسلمين الأوروبيين (CEM) . ثم تأتي “المنظمات الناشطة، التابعة لمجلس المسلمين الأوروبيين“: “المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (مع ثلاثة كوادر من مسلمي فرنسا)، ومنتدى المنظمات الشبابية المسلمة الأوروبية (FEMYSO)، والمعاهد الأوروبية للعلوم الإنسانية “(تعليم عالٍ خاص) “، و”يوروب تراست” (Europe Trust) “الذراع المالي“، و”الإغاثة الإسلامية العالمية” (Islamic Relief Worldwide) عمل إنساني، والمجلس الأوروبي للأئمة، دون إغفال هيكلة شبكة نسائية.“
تسمح هذه القاعدة الجمعياتية بـ “استراتيجية التغلغل في المؤسسات الأوروبية” لخدمة، كما يلاحظ معدو التقرير بلمسة من السخرية، “رؤية فريدة للحرية الدينية تتكون من مناهضة “الإسلاموفوبيا”، والمطالبة بتجريم التجديف، أو حتى بنشر الحلال”. وهذه المؤسسات الأوروبية ذاتها “تُعد أيضاً مصدراً رئيسياً لتمويل الحركة“. ومع ذلك، في باريس وفيما يتعلق بالتمويل الأوروبي وبرنامج إيراسموس+ (لتبادل الطلاب بين الجامعات الأوروبية)، تسجل وزارة التعليم العالي “منذ عامين زيادة في التنبيهات المتعلقة بتمويل مشاريع تتعارض مع قيم الجمهورية، وتنتمي إلى الإسلاموية المتطرفة.“
يُبرز التقرير فعالية سياسة التأثير هذه. ولا تزال التوترات بين فرنسا والمفوضية الأوروبية وبعض الدول الأعضاء بشأن مسألة التمويل عالقة في الأذهان. وهذا التردد من جانب بعض الدول مثير للدهشة بشكل خاص بالنظر إلى أن الجماعة تتمتع بـ “تمركزات وطنية قوية في أوروبا“. ففي بلجيكا، التي وُصفت بأنها “مفترق طرق الحركة الإخوانية الأوروبي“، مع “شبكة وثيقة من الجمعيات والمنظمات“. وكذلك في النمسا وألمانيا اللتين تعتبران “تاريخياً أولى أراضي تمركز الحركة“، حيث ينتشر أيضاً نفوذ “مللي جوروش”، (Millî Görüs التطلع القومي ـ التركي) “الحركة الإسلامية الأوروبية الأخرى ذات التوجه الإخواني“، المرتبطة مباشرة بأنقرة. أما شمال أوروبا (هولندا، الدنمارك، السويد) فيُصنف على أنه “منطقة تمركز أقل لكنه حقيقي للحركة.
اندفاع في البلقان
مازالت المملكة المتحدة تعد، حسب التقرير، “موقعًا متقدمًا للحركة الشرق أوسطية” على القارة. لكن يقدر المحللون أن البلقان، بعد حوالي ثلاثين عامًا من حرب يوغوسلافيا السابقة، هي “الموقع الرئيسي لتطور الحركة في أوروبا” مع مشروع انتهازي للغاية للاستفادة من تقارب المنطقة مع الاتحاد الأوروبي. في عام ٢٠٢٢، تم إنشاء مجلس أوروبي للقرآن الكريم في سراييفو قبل أن ينتقل إلى ميلانو. “يلاحظ التقرير أن خطر تمديد تمويل برنامج «إيراسموس» إلى المؤسسات القرآنية المنتشرة في دول البلقان المرشحة للانضمام يمثل خطراً على الاتحاد الأوروبي وفرصة محددة بوضوح من قبل الحركة”…
حرصاً على استعادة زمام المبادرة، تسعى الدولة إلى تحفيز “وعي بآثار الإسلام السياسي في فرنسا“.
في مواجهة تغلغل الحركة الإخوانية، “لا يزال عمل السلطات العامة (بفرنسا) يصطدم بفهم غير كافٍ للظاهرة”، كما ينتقد التقرير. لتفسير هذه “النقطة العمياء” القاتلة، يشير المؤلفون إلى “الزمنية” (أو الامتداد الزمني) لتهديد “أقل فورية من ذلك الذي يمثله الخطر الإرهابي”. يلخص أحد كبار الموظفين الوضع كالآتي: “وجه التحكيم (في أهمية التعامل) هو بين إسلامي يحفر أثره لجيل كامل، ومتطرف يمكنه تنفيذ عمل إرهابي فوري”. يضاف إلى ذلك “ثقافة السرية” و “سياسة استدعاء الاحترام” التي تلتزم بها الجماعة، والتي تزدهر بهدوء على “مستوى محلي أكثر من وطني” . في مواجهة هذا الهجوم، سيتعين على فرنسا، أكثر من أي وقت مضى، أن تعد الرد.
___________________
تمت ترجمته من: