In In Arabic - بالعربي

مايكل جرجس ـ وطني ـ

في قلب التاريخ المصري تُنسج خيوط الزمن وتتشابك الحكايات، ودائمًا نجد أنفسنا أمام معضلة تاريخية جميلة ومثيرة في نفس الوقت.. وتساؤلات تقول :هل وجوه الفيوم منسوبة إلى الفن الروماني أم هي تجسيد للفن القبطي؟

هذه الوجوه، التي تُعد إحدى أعظم أصول الفن في الفترة من القرن الأول إلى الثالث الميلادي، هي أكثر من مجرد أعمال فنية؛ فهي نافذة تُطل على عالم من التحولات الثقافية والدينية التي شهدتها مصر في تلك الحقبة.

وللإجابة عن أصل «وجوه الفيوم » تواصلت وطني مع الدكتور جرجس الجاولي ـ أستاذ النحت الميداني والفراغي، ورئيس قسم النحت السابق بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا ـ والذي حدثنا قائلاً: هذا الفن ظهر من القرن الأول حتى القرن الثالث الميلادي ، ومعظم الوجوه وجدت في الفيوم، وبعضها وجد في المنيا وبنى سويف وآخر في إخميم .

وكانت هذه الوجوه، التي تشبه في ملامحها المصريين المعاصرين، توضع في مكان الرأس في توابيت المتوفين بديلاً لشكلها النحتي، الذي بدأ يكون مرفوضًا في العقيدة المسيحية الجديدة في ذلك الحين. بل إن هذا التقليد مازال موجودًا لدينا كأقباط، حيث يحرص أهل المتوفي على عمل صورة تذكارية للمتوفي توضع أمام الهيكل في الكنيسة يوم تذكار الأربعين، ثم يأخذوها ليحتفظوا بها في منزله. وكل العائلات القبطية تحتفظ بصور في بيوتها تمامًا مثل الأيقونات والتي تعد استمرارًا لهذا التقليد وإن كانت مرتبطة بشخصيات دينية مهمة. وفى نظري أن هذا الفن قبطي صرف، لأنه من جهة يأتي في الفترة المعروفة تاريخيًا بالحقبة القبطية ـ وهي في قوتها لا تقل شأنًا عن فن النحت في العصور الفرعونية ـ ولكن هذه المرة في فن التصوير.

وليس ذلك بمستبعد على أهل مصر في ذلك الزمان، حيث كانت مكتبة الإسكندرية منارة للعلم والثقافة والفلسفة في كل ربوع الإمبراطورية الرومانية الحاكمة في ذلك العصر. ولكن هذا ليس مبررًا أن ننسب تلك الرسوم للوجوه ـ التي تعتبر البداية الحقيقية لفن البورتريه ـ للإمبراطورية الحاكمة، بل المنطقي أن الرومان جاءوا إلى بلد الفن والفنانين لا ليبدعوا، بل ليحكموا .

ولو كانت تلك الوجوه رومانية لما كانت تشبه لحد كبير ملامح المصريين، كما أنها كانت ستكون منتشرة في باقي الولايات الرومانية العديدة في شمال أفريقيا وشرق المتوسط، بل وكل أوروبا. ولكن هذا لم يحدث، بما يعنى أنه كان مقتصرا على مصر ومرتبطا بعادات المصريين القدماء في الاحتفاظ بشكل المتوفى في تابوت منحوت من الخشب أو الحجر، ولما كان الديانة المسيحية الجديدة في ذلك الوقت تحرم النحت، فإنهم استبدلوا ذلك بما يشبه الأيقونة في نحت الوجه مع الاحتفاظ بالتابوت لحماية الجثث من التلف، بل وحتى تحنيطها أيضًا فالتحنيط مازالت موجودا في الكنيسة القبطية لحفظ رفات القديسين. وفي رأيي أنه لو ذهب البعض لنسبها للرومان لمجرد أنها ظهرت في فترة الحكم الروماني أو أن الملابس عند البعض لها طابع روماني، لكان علينا أن نجعل من كل المصريين لابسي الطرابيش في أوائل القرن الماضي على أنهم أتراك أو كل لابسي البدل على أنهم إنجليز.

فالمشكلة الحقيقية هي أن البعض يتثقل عليه أن ينسب وجوه الفيوم للفن القبطي . وذلك رغم أن مفكري الأقباط الأوائل مثل أوريجانوس وإكليمندس السكندري وأثناسيوس حامى الايمان وكيرلس عمود الدين وأنطونيوس مؤسس الرهبنة، هؤلاء علموا العالم في القرون الأولى للمسيحية، وكانت الإسكندرية عاصمة العلم والفن، وأعلامها كلهم أقباط وليسوا رومانًا، وهذه الوجوه لأقباط ـ وإن كانوا غالبا من أعيان المجتمع وربما يكونون من ذوي السلطة في ذلك الزمان.

__________________________

Recent Posts

Leave a Comment