In In Arabic - بالعربي

وطني ـ

الطريق إلى توقيع عقوبة على الشخص قد يبدأ بكلمة أو علامة إعجاب (لايك) على صفحة بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أو مشاركة مقال أو فيديو دون قصد وبعدم معرفة. عاودت أزمة قضايا ازدراء الأديان الظهور على السطح مؤخرا بعد تراشق بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، وإساءة كل منهما لمعتقدات الآخر، وما تبعه من حملة كراهية وتحريض على العنف بمواقع التواصل الاجتماعي، وتراشق بين الجانبين. تم القبض أولا على يوسف هاني بالإسماعيلية وهو ما تابعه من (هاشتاج) للمطالبة بالعدالة في محاسبة الطرفين دون تمييز، وعندها تم القبض على الفتاة التي أساءت للمسيحية، وفي اليوم التالي صدر قرار بإخلاء سبيلهما بعد الاعتذار والتأكيد على عدم القصد .

وتعد تهمة «ازدراء الأديان» سيفاً مسلطاً تجاه الأقليات الدينية، وأصحاب الفكر المختلف عن السائد، بل والمواطنين العاديين أحيانا. هناك عشرات الأشخاص في مصر قد يتعرضون لهذه التهمة الفضفاضة، بعضهم يقضي عقوبة السجن، والبعض الآخر عُزل من وظيفته، أو خضع لضغط المجتمع، أو لقرار لجان عرفية، فترك مسكنه مرغمًا على نزوح قسري.

بخلاف قضية يوسف هاني، هناك العشرات من القضايا التي لا يعرف عنها المجتمع ولم يكتب عنها الاعلام، خلال السنوات الأربع الأخيرة. ونذكر هنا عددا من القضايا منذ يناير 2020 .

ـ القضية الاولى بمركز المنيا، وتقع بإحدى العزب وتحمل رقم 7502 إداري المنيا، وضحيتها خفير نظامي يدعى (و. ف.) من أسرة بسيطة، لديه صفحة على الفيس بوك، وتم اتهامه بازدراء الإسلام لقيامه بمشاركة (شير) بوست وصف انه مسيء، ولا يزال رهن الحبس الاحتياطي منذ 18 أغسطس 2020، وفشلت كافة محاولات لإخلاء سبيله رغم إنكاره الواقعة، وعدم وجود دليل مادي. كانت الاجهزة الأمنية فوز الواقعة والبلاغ الذى تقدم به متشددون قد قامت بوضع حراسة بقريته وعمل إجراءات أمنية تحسبا لأي رد فعل .

ـ الواقعة الثانية لحدث يدعى (أ. ر. ت.)  17 عاما، من مركز أبو قرقاص، في القضية رقم 126 لسنة 2020، وتم محاكمته أمام محكمة أحداث ابو قرقاص بالمنيا، وسوف تنظر جلسته يوم 18 من الشهر الجاري. وتم توريط هذا الحدث أثناء مناقشات حول تصريحات أحد الدعاة المثيرة للجدل، تخص التحرش والاساءة للفتيات وما كتبه حول المسيحية والإساءة لها، واعتبرت بعض تعليقاته مسيئة للإسلام، وتم حبسه على ذمة القضية منذ 14 يوليو 2020.

ـ الواقعة الثالثة لقبطي يدعى (هـ. ع. م.) 65 عام، بمحافظة اسيوط، والذى يحاكم أمام المحكمة الجنائية بأسيوط في القضية رقم 66 لسنة 2020، وهو طبيب تم اتهامه بازدراء الإسلام بسبب مشاركة (شير) لمقال وصف بالإساءة، رغم تأكيد الطبيب المسن أن حسابه تم اختراقه بهاكر، وانه لا يعلم شيء عنه، وأن عمره الطويل لا يسمح له بأن يقوم بمثل هذه الأمور خاصة أنه في قرية ريفية تابعة لقرية منقباد. وقد تم حبسه منذ 17 أغسطس الماضي، وتم حجز قضيته للحكم في جلسة 9 ديسمبر المقبل. 

ـ الواقعة الرابعة لشاب بسيط يدعى (ا. ك. و.) بقرية تابعة لمركز دير مواس بالمنيا، وهو لا يجيد القراءة أو الكتابة، تم اتهامه بازدراء الإسلام في القضية رقم 12140 إدارى دير مواس لسنه 2020، وتم حبسه منذ 15 مارس الماضي، وتم إخلاء سبيله في 14 يونيو بعد ورود التقرير الفني الذي أكد على عدم حدوث الواقعة، وأن الشخص المتهم يجهل التعامل مع الفيس بوك ولا يجيد الكتابة.

ـ الواقعة الخامسة لقبطيين، هما (أ. ر.) و (م. س.) بمركز السنبلاوين بالدقهلية، اتهما بازدراء الأديان في مقطع حواري تمثيلي بينهما لم يكن معلنا ولكن تم تسريبه. وتم حجزهما للحكم في محكمة جنح أمن الدولة 

ـ الواقعة السادسة تخص (ر.ع.)، المدرس بالمعهد الأزهري بكفر صقر بمحافظة الشرقية، وهو «قرآني»، ألقت قوات الأمن القبض عليه في 22 أغسطس 2020، ولا يزال محبوسًا.

ـ في يوليو الماضي، حكمت محكمة جنح أمن الدولة بمشتول السوق بمحافظة الشرقية في القضية رقم 154 لسنة 2019 بالحبس سنة واحدة على مصطفى الرملي ومحمود يوسف بتهمة ترويج أفكار تنتمي إلى المذهب الشيعي. كانت قوات الأمن قد ألقت القبض على المتهمين في 16 مايو 2019 وتم إخفاؤها في مكان غير معلوم حتى تم عرضهما على نيابة مشتول وتم عرضهم ومحاكمتهم بالحبس سنة .

ـ من فترة قريبة قررت النيابة حبس شاب يدعى محمد شرف، بتهمة السخرية من مذيعي إذاعة القرآن الكريم، لمدة 15 يوم بتهمة ازدراء الإسلام، بعد أن تقدمت الشؤون القانونية في الهيئة الوطنية للإعلام ببلاغ ضد الشخص صاحب فيديو السخرية من إذاعة القرآن الكريم ورموزها، والمتداول على مواقع التواصل الاجتماعي إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتهم. وكان الفيديو فقرة «ستاند اب كوميدي»، والتي سخر خلالها من أسلوب وطريقة إلقاء مذيعي إذاعة القرآن الكريم.

***

خلفية تاريخية حول ازدراء الأديان في القانون المصري

المشرع المصري خصص في قانون العقوبات بابًا من مادتين هما: 160 و161، تحت مسمى الجنح المتعلقة بالأديان في الكتاب الثاني: «الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العامة»، بقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، ثم أضيفت المادة 98 (و) لقانون العقوبات في الثمانينات من القرن الماضي، والتي عرفت بمادة ازدراء الأديان. ومن مواد قانون العقوبات التي يُحاكم على أساسها المتهمين في قضايا ازدراء الأديان.

وتنص المادة 98 الفقرة (و): «يعاقب كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو التحقير، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي، بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 1000 جنيه، أو بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات.»

وفي قراءة سريعة لهذه المواد وفقا لتقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يتضح أن البيئة السياسية التي نشأ فيها النص القانوني والخلفية الدينية للمشرع لعبتا دورا واضحا في صياغة النص، فقد أضيفت المادة 98 (و) وعدلت المادة 160 عقب أحداث الزاوية الحمراء الطائفية، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين، كما جاءت بعد أقل من عام من بداية حكم الرئيس السابق حسني مبارك وعقب اغتيال السادات بيد التيارات الإسلامية.

واتسمت صياغة هذه المواد بـ:

ـ غياب التحديد والوضوح اللازمين للنصوص العقابية، إذ تضمنت هذه المواد كلمات مطاطة غير محكمة أدت إلى غموض النص، منها: الأفكار المتطرفة، استغلال، ازدراء، تحقير، التشويش. وهذا الغموض يعطي مساحة كبيرة للقاضي في تفسير المعنى، والتوسع في السلطة التقديرية الممنوحة له، ما يترتب عليه صدور أحكام متفاوتة في قضايا تبدو متشابهة، كما يتيح محاكمة المتهم على أساس القيم وليس على أساس النماذج الإجرامية.

ـ تجرم الفكر، فالمواطنون عرضة للمحاكمة بسبب أفكارهم حتى ولو لم يترتب عليها فعلً.

ـ انتهكت هذه النصوص حقوقا دستورية راسخة واضحة، خصوصا المادة 98(و) التي أخلت بقواعد المساواة في الحماية القانونية، وافتقرت إلى الضوابط الدستورية اللازمة للتجريم، وقيدت من الحقوق والحريات.

نادية هنري تقدم طلب إحاطة بالنواب

قدمت نادية هنري عضوة مجلس النواب طلب إحاطة، وقالت فيه إنه من غير المنطق التعامل في تطبيق قانون العقوبات بمعايير مزدوجة، فلا ينبغي أن يطبق قانون العقوبات على فئة بسبب الدين دون أخرى. 

واستطردت أن المادة نسبية وغير محددة، من الممكن أن تصدر محكمة حكمًا بالإدانة ومحكمة أخرى تصدر حكمًا بالبراءة عن نفس الفعل، وهو ما حدث مع الفنان عادل إمام عندما تمت إدانته من محكمة الهرم في حين برأته محكمة العجوزة عن عدد من أفلامه. 

كما طالب من قبل العديد من أعضاء مجلس النواب في عام 2016 بإلغاء المواد المتعلقة بازدراء الأديان من القانون أو تعديلها ولكن بعد عدة مناقشات بلجان البرلمان، ظلت كما هي بالرغم من أن الدستور وهو أبو القوانين ينص على حرية الفكر والتعبير. وكانت هناك اقتراحات بتعديلها بحيث توضع في باب آخر في قانون العقوبات وليست ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة من الداخل كما هو وضعها الآن، كأن يتم وضع ضوابط لحرية الرأي والتعبير فيما يخص الأديان، وأن يكون ذلك في نطاق محدد معروف واضح 

تحذير من حسابات مزيفة

حذر ماجد طلعت الناشط الحقوقي من محاولة إثارة الفتنة بمصر عن طريق حسابات مزيفة يتم انشائها للإساءة للأديان وللإثارة.

وتابع: ”أكونتات كتير مزيفة تم استخدمها خلال الأيام الماضية للإساءة والازدراء للأديان في محاولة من جماعات الشر لاستغلال حدث عارض يستنكره جميع المصريين”.

معا لوطن واحد

أطلق عدد من الكتاب والنشطاء بيان للتوقيع عليه تحت شعار “معاً لوطن واحد” في 12 نوفمبر الجاري على خلفية أزمة الجدل الطائفي الذي دار بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، تبادلا فيه الإساءة كل إلى معتقدات ومقدسات الأخر الدينية، ولقد وقع على البيان ما يقرب من 250 شخص حتى كتابة هذه السطور.

وأكدوا في بيانهم على: ”أن الأزمة وما تم حيالها تكشف عن حاجتنا كمجتمع ودولة إلى إعادة النظر في الحلول التقليدية التي درجت عليها الجهات المعنية، والتي لم تعد مجدية مع التغيرات الجوهرية التي فرضت نفسها على واقعنا، وعلى الأجيال الجديدة التي تشكل القوة الفاعلة في المجتمع والدولة، وفى مقدمتها معطيات وآليات الثورة الرقمية والتفاعل اللحظي مع ما تحمله وتبثه وتتناقله. ونجد أنفسنا في مواجهة أزمة تتجدد وتأخذنا إلى حافة المصادمة على خلفيات طائفية، بشكل متواتر ومتكرر تحت مسمى «ازدراء الأديان»، وهى أزمة قانونية وسياسية سبق وتعرض لها بالتحليل الفقهي القانوني حمدي الأسيوطي في كتابه الوثائقي «ازدراء الأديان في مصر» الصادر في يناير 2015 .

وأشار البيان إلى انه يجب العمل على عدة محاور منها:

ـ المحور التشريعي المنوط بمجلس النواب بإلغاء هذه المادة الملتبسة المشار إليها.

ـ المحور التعليمي والثقافي؛ وتتحمله وزارات التعليم، والثقافة، والإعلام، وآليات تشكيل العقل الجمعي، ودعم الفنون والآداب والإبداع والحوار الموضوعي، التي تصب في الارتقاء بالعقل المصري

ـ المحور السياسي وتتحمله القوى والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

الدكتورة سامية قدري – أستاذة علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس، وعضو لجنة الثقافة الأسرية ببيت العائلة – قالت: «حينما تم تداول بعض الرسائل الإعلامية من قبل قيادات بالدولة بعد ما أثير حول الرسوم المسيئة في فرنسا، وكانت الرسالة مفادها ”كفى إساءة إلينا” هذه الرسالة بشكل أو بآخر يمكن أن يتم تأويلها، خاصة من قبل بعض الفئات العمرية الأصغر والذين مازالوا في مرحلة المراهقة فكثير منهم لا يدرك حرية الفكر والتعبير، والرأي الأخر وكيف نقبل الآخر، ففي العالم كله الأجيال الأصغر سنا خرجت عن المألوف فهم جيل الإنترنت لا يستطيع أحد أن يتحكم فيه وفي آرائه وما يقوله أو يعبر عنه.»

وعلى الجانب الاجتماعي للأسف هناك نسبة من الأسر المصرية لم تربي أبناءها على قبول الآخر واحترامه، ولكن في المقابل في السنوات القليلة الماضية بدأت حركة مجتمعية في الظهور تهتم ببث قيم الحوار وقبول الآخر والتسامح والسلام الاجتماعي حيث تعمل الكثير من مؤسسات المجتمع المدني على قضايا العيش المشترك وقبول الآخر. 

وأضافت الدكتورة سامية قدري قائلة: «القضية شائكة وتحتاج لرفع الوعى لدى المجتمع بداية من المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية المختلفة وكافة مؤسسات الدولة المعنية.»

و عن تجارب الدول الأخرى قالت الدكتورة سامية: ”قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة تجربة مهمة في التسامح الاجتماعي بكل صوره دينيا واجتماعيا و ثقافيا وعلى مختلف الأصعدة حتى لو كان الهدف اقتصاديا بالأساس، لكن المهم هو وجود مجتمع التسامح فهي تجربة يحتذى بها الدولة تضم التسامح على مستوى الدين والعرق والتسامح الاجتماعي والثقافي، إلخ.. 

فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني قالت الدكتورة سامية: «الخطاب الديني دوره أساسي لأننا في مصر على مدار أكثر من أربعة عقود كان الخطاب الديني فيها إقصائيا وضد الآخر ، لذلك علينا الاهتمام بإعادة بناء ما قد هدم ، وفي هذا الشأن لا يتعلق الأمر فقط بالمؤسسات الدينية لكن على المؤسسات المختلفة دور: فالمؤسسات التعليمية والتثقيفية عليها دور وكذلك المجتمع المدني ورجال الدين من الأديان المختلفة و المثقفين حتى ينخرط الناس في المجال العام.

وأؤكد على ضرورة تعليم النشء أن يقبل الآخر المختلف عنه، فهذا الأمر هو الذي يدعم تفعيل مبدأ المواطنة في المجتمع للجميع أيا أن كانت اختلافاتهم ليست الدينية فحسب.»

https://www.wataninet.com/2020/11/إزدراء-الأديان-لا-يزال-حصارا-للتفكير/
Recent Posts

Leave a Comment