In In Arabic - بالعربي

د. خالد منتصر ـ

هناك عدد غير قليل من الشباب المصري أعتبرهم مشتل الداعشية القادمة الذي لو لم ننتبه إليه سينمو ويتكاثر ويصبح حصان طرواده الذي سيباغتنا ليلاً من خلال ثغرات أسوارنا ويحرق الأخضر واليابس. هم ليسوا على سطح الجلد، ليسوا على حدود الوطن ولكنهم صاروا في شرايينه وأعصابه وخلاياه، من الممكن أن يصيبوه بجلطة أو شلل لو لم نتخذ إجراءات الوقاية وسبل العلاج، ومن خلال معرفتي وإحتكاكي مع هؤلاء الشباب، ومن خلال تعليقاتهم على وسائل التواصل، حفظتهم جيداً لدرجة أنني أستطيع أن أقول مستريحاً بأنني صرت خبيراً في إكتشافهم من خلال بضع كلمات أومجموعة صور !

أتابعهم وأندهش من كم السباب والشتائم الهستيرية التي يردون بها على أي خلاف فكري، وبالعودة إلى صفحاتهم تجد أنهم يرتدون أحدث الموضات والبرندات. إختفى المشهد التقليدي للمتطرف التكفيري صاحب الجلباب واللحية، وحل محله ” التكفيري الكاجوال” ، من خلال دراسة وتحليل صفحاتهم المليئة بالأدعية والأذكار، سأحاول رسم بورتريه نفسي وإجتماعي لهم، لعل أساتذة الاجتماع وعلم النفس يفكون لنا شفرتهم، ويشخصون المتلازمة المرضية التي تجمعهم والتي تتيح لنا علاجهم قبل فوات الأوان.

أول مايدهشكم أن معظم هؤلاء ينتمون للأسف لكليات علمية عملية مرموقة، نطلق عليها كليات القمة، طب وهندسه وصيدله ..الخ، المفروض أنها كليات تدرس التفكير العلمي، لكن المفاجأة للأسف أنك تجد لغة تكفيرية عنيفة، وأفكاراً خرافية تحتل عقولهم، فتجد طالب طب يتبنى أساليب علاج تجاوزها الزمن لمجرد أن كتباً تراثية تحدثت عنها، وتجد طالب صيدلة يروج لأعشاب وهمية لأن شيخاً ذكرها أو داعية إدعى أنه شفي بعد تناولها، وتعد مسألة إنتماء معظم الإرهابيين لكليات علمية قضية خطيرة تحتاج مقالاً أو بالأصح رسالة دكتوراه لمناقشتها.

وهناك قسم كبير من هؤلاء للأسف ينتمي لكليات دينية وهذه أيضاً مسألة عجيبة أن يتحدث بتلك اللغة الخالية من أبسط بديهيات الإيمان والأخلاق طلبة يتعلمون الدين !!

هناك ملمح آخر يجمع معظم هؤلاء الشباب وهو تشجيعهم الهستيري لكرة القدم ومنهم منضمون للألتراس، تجد في معظم صفحاتهم صوراً للاعبي كرة القدم، ومتابعة راصدة لكل شاردة وواردة في الدوري، وخناقات ومشاجرات بلغة فجة متدنية مع ألتراس الفريق المنافس، وهي تقريباً نفس اللغة التي يستخدمونها عندما يختلفون فكرياً مع شخص يحاول أن يناقش مفاهيم سلفية بالعقل والمنطق،

ثالثاً :معظم هؤلاء الشباب لديه كراهية دفينة للمرأة، ويتبنى خطاب الدونية التحقيري لها ويصفها بالزانية أذا تعطرت والملعونة إذا تنمصت وأنها حتماً في قاع النار، ويستخدم أبشع العبارات متخطياً كل حدود أدبيات الذوق في التعامل مع المرأة، وفي نفس الوقت عندهم شبق شديد لها كأنثى، ومتابعة دقيقة لتفاصيل تفاصيل جسدها، يصرخون مطالبين بتكفينها حية في لفائفهم السوداء وفي نفس الوقت يسهرون على المواقع الإباحية ويحفظون أرقام هواتف تجار المنشطات، قمة الإزدواجية وعصارة كوكتيل الشيزوفرينيا !!

رابعاً: كما تغير شكل المتطرف إلى المتطرف الكاجوال، تغير أيضاً شكل الداعية الذي يتبعه هذا الشاب فصار هو الآخر داعية كاجوال، تي شيرت ماركة عالمية وبنطلون جينز ولحية خفيفة وبعض الكلمات الإنجليزية تتسلل إلى الموعظة أو الخطبة. الكارثة أن هؤلاء الدعاة الجدد الكاجوال يتسللون من باب مايسمى بمحاضرات التنمية البشرية، وهي تجارة وهم يمارسها البعض بمهارة يحسدون عليها. بل وصار هذا النصب تحت لافتة الدين يدفع له مقابل ضخم لحضور دوراته. من خلال تلك المحاضرات يبثون سموم التكفير والكراهية والفتنة. صارت لهم قنوات على اليوتيوب تدر عليهم الملايين، ويدافع عنهم أولئك الشباب المغيب بشكل حماسي عنيف، تتخيل أنهم يجهزون لغزوة، يداعب الدعاة فيهم مشاعر الكبت الجنسي وغضب البطالة، ويحفزون ويستفزون لديهم أدرينالين التوتر.

خامساً : ليس لهؤلاء الشباب إهتمامات فنية على الإطلاق، لا يستمعون للموسيقى ولاتحركهم لوحة فن تشكيلي أو تمثال منحوت أو رشاقة باليه أو مشهد سينما، يخاصمون الجمال ويتآلفون مع القبح، فقد غسلوا أدمغتهم بأن الموسيقى هي مزمار الشيطان، واللوحة حاجز ضد الملائكة، والرقص عهر، والسينما فساد ودعارة …الخ ، فتجد نفوساً قاسية ، وأرواحاً بها جلافة وغلظة، لم تصعد درجات الرقي الإنساني بحب الفن وتذوقه. الجسد لديهم مجرد كتلة لحم لشهوة ، وليست نافذة لبهجة، أو طاقة فرح لحياة.

هذه ببساطة بعض ملامح التكفيري الكاجوال المعاصر الحديث ، البورتريه مرعب ، لكن طمسه وتجاهله أكثر رعباً .

https://www.facebook.com/khmontaser
Recent Posts

Leave a Comment