In In Arabic - بالعربي

سحر الجعارة ـ الوطن ـ

«إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى اللحظة التى تُرفع فيها الحصانة عن شيخ الأزهر، لأنه «غير معصوم من الخطأ»، ويُرفع التمييز عن الأقباط فلا نسمع «حزب الكراهية» يردد لهجة التكفير والتحريض، ويصبح لدينا نوع واحد من الدراسة يطبق منظومة تعليم مدنى عصرية.»

منذ حوالى 30 عاماً، ظهر فى الأحياء الشعبية والفقيرة ما يسمى بجمعيات «الإخوان المسلمين»، كانت تختفى تحت لافتة «مدرسة إسلامية أو مستوصف إسلامى».. كان من الواضح أن «المشروع الإخوانى» قد اكتمل، وأنهم سيطروا بالفعل على «قاعدة الهرم».. وكانت قمة هرم السلطة «نظام مبارك» مشغولة بتمكين رجال الأعمال من أدوات الحكم، تحقيقاً لمشرع التوريث.. ومع غروب حكم مبارك كان الإخوان قد ظهروا على السطح ونجحوا فى الاستيلاء عن «خمسة أعضاء مجلس الشعب».. لقد سلمهم «مبارك» مفاتيح مصر بالاستبداد والفساد السياسى والاقتصادى.. وكانت «النخبة المثقفة» تتلقى صدمات متتالية: (اغتيال المفكر «فرج فودة»، تفريق الدكتور «نصر حامد أبوزيد» عن زوجته، انتفاضة التيار الإسلامى ضد رواية «وليمة لأعشاب البحر» فى البرلمان عام 2000).

كان من الواضح أن «دولة مبارك» قد خضعت لحملات الابتزاز السياسى، وظهرت اتهامات «التكفير والرمى بالإلحاد» والمطالبة بمحاكمة المسئولين.. وأن الضربات المتتالية لتنظيمات «الجهاد التكفيرى» فى صعيد مصر، ونشر نظرية «استحلال أموال المسيحيين» ومحاولات الاغتيالات المتكررة للشخصيات العامة، قد أنهكته.

ولم يكن غريباً أن يقود الكاتب الكبير «مكرم محمد أحمد» الحوار مع قيادات الجماعة الإسلامية فى السجون، فيما سمى بالمراجعات الفكرية لنبذ العنف، التى ثبت أنها «طق حنك».. لقد أصبح «الإرهاب واقعاً حياتياً».. وتوفر له الإطار التنظيمى والذراع السياسية والميليشيات العسكرية.. لكن مشروع التوريث التهم اهتمامات دولة مبارك البوليسية.. الذى اكتفت باختراق تيار الإسلام السياسى أمنياً.

ولكى تختصر المسافة الزمنية من ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، يكفى أن تقول إن جماعات الإرهاب المسلح قد اختطفوا شرعيتهم قبل اختطاف مصر، حين دخل أشهر أمراء الجماعة «مجلس الشعب» وحين استولى «الإخوان» على النقابات المهنية.. وحين ظهرت الخلايا النائمة فى عملية «أخونة مؤسسات الدولة»!.

حين قال القيادى الإخوانى محمد البلتاجى قولته الشهيرة: «إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى اللحظة التى سيتراجع فيها الجيش عما وصفه بالانقلاب وعودة مرسى إلى مهامه».. ففى هذه اللحظة كانت كتائب: «الحرس الثورى الإيرانى، أنصار بيت المقدس، حماس، جبهة النصرة.. حتى داعش» قد استوطنت سيناء التى طوّقها الإخوان بأنفاق سرية مفتوحة على غزة لتهريب السلاح ومَن يسمونهم «المجاهدين»!.

لم تكن لعقيدتهم الفاسدة حول «الجهاد» وللمرتزقة الذين يحركونهم كالدمى الخشبية أن تتحول إلى عمل إرهابى دون «إطار تنظيرى وتمويل سخى».. تولى لوبى «قطر – تركيا» التمويل والتخطيط، ومن هناك أخذ «يوسف القرضاوى» يحرض على جنودنا من الجيش والشرطة.. وفى الداخل كانت ماكينة التكفير تدعم العمليات الإرهابية بفتاوى مدمرة تورطت فيها المؤسسة الدينية الرسمية «الإخوانى عباس شومان نموذجاً»، وأفراد من الشرطة يتظاهرون لإطلاق اللحى وكتائب حسبة لفرض «النقاب» على الشارع المصرى.

نعم، كل من حرض على تفجير الكنائس واغتيال القساوسة يخرجون من «الأزهر»: «سالم عبدالجليل، عبدالله رشدى.. على سبيل المثال».. لقد سقطت الفاشية الدينية بسقوط الإخوان عن الحكم.. لكننا دولة دينية بحكم الدستور الذى يحصن شيخ الأزهر ضد العزل، ويجعل الأزهر مرجعية رئيسية لكل القوانين.. ليصبح تكفير «الشيعة قبل الأقباط» أمراً طبيعياً، بينما امتناع الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور «أحمد الطيب»، عن تكفير تنظيم «داعش» هو من صلب الإسلام الذى لا يكفر مسلماً!!.

تخيل أن بمصر حوالى 9 آلاف معهد أزهرى للأطفال والفتية والشباب أكل لحم الأسير، والتحريض على احتلال الأوطان وقتل الرجال وسبى النساء.. راجع («الاختيار لتعليل المختار» و«قطوف من كتاب الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»).. وأن «جامعة الأزهر» تمارس التمييز علناً ضد الأقباط وتمنع دخولهم.. وأن السنة النبوية، التى قال عنها شيخ الأزهر إنها ثلاثة أرباع الدين، تحتوى على نصوص تضمن البراءة لأى إرهابى: (إذا ما أضفت إلى أن المسيحى كافر ومن أهل الذمة.. لا يقتل «مسلم بذمى»)، فهل تتوقع من هذه المعاهد والجامعة أن تُخرّج لنا دعاة «وسطيين كيوت».. وأطباء يأخذون بالعلم ولا يداوون البشر بالطب النبوى؟!.

أضف إلى هؤلاء ورثة الإخوان من تيار «السلفية التكفيرية».. لقد أصبح التيار السلفى يحكم مصر من الباطن بكل أجنحته: «أحزاب دينية بالمخالفة للدستور، ومنابر إعلامية، ولجان وأبواق إلكترونية على الإنترنت، وكتائب حسبة تطارد المفكرين والمجددين»!.

وقد بُحت أصواتنا ونحن نطالب بمراجعة وجود الأحزاب الدينية.. لكنهم اكتسبوا شرعية الوجود والتمثيل البرلمانى!.

إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى اللحظة التى تُرفع فيها الحصانة عن شيخ الأزهر، لأنه «غير معصوم من الخطأ»، ويرفع التمييز عن الأقباط فلا نسمع «حزب الكراهية» يردد لهجة التكفير والتحريض، ويصبح لدينا نوع واحد من الدراسة يطبق منظومة تعليم مدنى عصرية.

إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف حين نطبق الدستور على الأحزاب الدينية، وحين ننقى صفوف مؤسسات الدولة من الإخوان.

إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف حين ننشئ هيئة لمراجعة الأحاديث النبوية الضعيفة التى تحض على التطرف والإرهاب، على غرار ما فعلته السعودية.

إن ما يحدث فى سيناء لن يتوقف إلا إذا أصبحنا «دولة مدنية» بالفعل، وعهدنا بتجديد الخطاب الدينى إلى النخبة المثقفة وتيار الاستنارة.

إذا كانت الحرب تفرض قانون الطوارئ، فنحن فى حرب مفتوحة على كل الحدود والجبهات، راجعوا أسباب بقاء الإرهاب على أراضينا، حاكموا المتهم الحقيقى.. فالذى يضغط على الزناد مجرد دمية فى يد مَن فكر ومَن أفتى.

_______________

https://www.elwatannews.com/news/details/4734798

Recent Posts

Leave a Comment