In In Arabic - بالعربي

د. مراد وهبه ـ الأهرام ـ

هل النخبة القبطية إخوانية؟ . سؤال يبدو مثيرا للسخرية، إذ كيف يمكن أن يكون ذلك كذلك؟ أى كيف يمكن أن يكون قبطيا إخوانيا؟ السؤال ورد إلى ذهنى بعد أن قرأت كتابا عنوانه الرئيسي: تحدى الاسلام السياسي, وعنوانه الفرعي: غير المسلمين والدولة المصرية.

والكتاب صادر فى عام 2010، أى قبل ثورة 25 يناير بعام، ومؤلفه راشيل سكوت أستاذ فى الدراسات الإسلامية بقسم الدين والثقافة بجامعة ستانفورد بأمريكا. والمؤلف مهموم بالبحث فى كيفية تعامل الإسلاميين المصريين مع غير المسلمين وأغلبهم من الأقباط عندما تكون الدولة إسلامية. وقضية المواطنة هى القضية المحورية فى ذلك الكتاب، لكنها محكومة فى سياق إسلامى علماني. والمقصود بالإسلامى جماعة الاخوان المسلمين.

أما العلمانى فالمقصود به نفر من الأقباط انتقاهم سكوت واستمع إلى أفكارهم. ومنذ تأسيس الجماعة فى عام 1928 وهى تطالب بالعودة إلى الاسلام النقى حيث الوحدة بين الدين والدولة. وإثر هذه المطالبة أصبحت هذه الجماعة هى القوة المعارضة الوحيدة فى مصر.

إلا أن سكوت قد توهم أنها قد انقسمت فى عام 1992 فريقين: فريق برجماتى يتبنى أفكارا ليبرالية وفريق يتبنى أفكارا محافظة. أما أنا فأظن أن المسألة تتجاوز هذا الوهم الخاص بهذه القسمة الثنائية إلى رؤية واقعية وهى مدى قدرة الجماعة على التغلغل فى مؤسسات الدولة بلا ارهاب. وقد فطن إلى هذه الرؤية أبو العلا ماضى عندما أسس حزب الوسط وأعلن بوضوح وبلا مواربة ضرورة الاعتراف بشرعية الدولة حتى يمكن اختراقها بلا ارهاب من أجل أسلمتها، واللافت للانتباه هنا انضمام ثلاثة أقباط وتسع سيدات إلى الحزب. وهنا يثير سكوت سؤالا هو على النحو الآتي: ما هو رد فعل النخبة القبطية فى مواجهة هذه الرؤية الوسطية بوجه عام وفى مواجهة العلاقة بين المواطنة والهوية القبطية بوجه خاص؟

رد الفعل يتحدد من تحديد موقف النخبة القبطية من المادة الثانية من الدستور والتى تنص على أن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. وفى هذا السياق ترى هذه النخبة أن المواطنة لا علاقة لها بالمادة الثانية إنما لها علاقة بالثقافة، ومن هنا تكون هذه المادة مادة ثقافية وليست مادة دينية، بل إن هذه النخبة تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما تقرر أن ثمة قبولا من الأقباط للشريعة خاصة وأن الفاصل بين ما هو علمانى وما هو دينى فى المجتمع المصرى ملتبس وغامض، وعندما تقرر أيضا أن إشكالية المواطنة عند القبطى تكمن فى أنه ليس منشغلا بالمشاركة السياسية، وقد ترتب على ذلك أن أصبحت السلطة الدينية القبطية هى المسئولة عن الأقباط أمام الدولة.

لكن المفارقة هنا أن حزب الوسط الإسلامى بدأ فى مغازلة النخبة القبطية بحيث أصبح فى الامكان تكوين علاقة عضوية بين النخبة القبطية وحزب الوسط الإسلامي. وقد ترتب على هذه العلاقة الجديدة انشغال الاثنين معا بتحديد معنى المواطنة فى الدولة الإسلامية فى سياق عقد الذمة باعتباره عقدا أساسيا من أسس هذه الدولة، وبالتالى فإنه لن يكون موضع انشقاق بل موضع تعايش دينى ينفر من أى سند علماني. وحزب الوسط كفيل بصياغة شريعة إسلامية لتحقيق هذه الغاية التى من شأنها دفع الأقباط إلى المشاركة السياسية. والرأى عند سكوت أن هذه الرؤية الوسطية كان لها تأثير واضح على الفريق البرجماتى فى جماعة الاخوان المسلمين عندما أجبرته على أن يكون معتدلا.

وتأسيسا على ذلك يصبح حزب الوسط هو المؤسس الوحيد للوضع القائم والوضع القادم كما تصبح المادة الثانية من الدستور مقبولة على نطاق واسع. وتكون النتيجة المترتبة على هذا التأسيس أن تصبح العلمانية بلا مستقبل خاصة وأن مواطنة القبطى لن تكون منفصلة عن جماعته الدينية لأن هذا النوع من المواطنة من شأنه احترام الخلافات الدينية.

ومع ذلك فثمة تحدٍ يواجه حزب الوسط بل يواجه النخبة القبطية من حيث تصورها أنها تمثل الأقباط سياسيا وهو يكمن فى مسلك السلطة الكنسية الذى يمكن أن يقف عقبة أمام تحقيق مواطنة القبطى على نحو ما يرى سكوت، إذ قد ترفض هذا التوجه وتصر على أن يكون الأقباط فى قبضتها.

وهنا يرى حزب الوسط أن البنية الاجتماعية فى أساسها الدينى لن تسمح للأقباط بأن يقبلوا أن تكون الكنيسة ممثلة لهم سياسيا لأن وظيفة الكنيسة عندئذ ستكون محصورة فى المحافظة على وحدة الأسرة القبطية ليس إلا.

والذى يدعو للسخرية هنا أن هذا النفر من العلمانيين الأقباط الذين التقاهم سكوت يرون أن العائق أمام تحقيق المواطنة لا يكمن فى المادة الثانية، بل فى عدم المبالاة بالمشاركة السياسية عند المصريين بوجه عام وعند الأقباط بوجه خاص وذلك مردود إلى ثورة 1952 المعادية للديمقراطية.

وفى هذا المعنى يكشف سكوت عن الغاية من تأليفه هذا الكتاب وهى كامنة فى الفقرة الأخيرة فى قوله إن التحدى الذى يواجه هذا النموذج الإسلامى للمواطنة الذى يحتضن غير المسلمين هو أن يوضع موضع التنفيذ، وقد تم بالفعل فى عام 2012 عام الكارثة الكبري.

__________________

http://www.ahram.org.eg/News/202951/4/699905/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%89-%D9%84%D9%80%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86%C2%BB–%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7.aspx

Recent Posts

Leave a Comment