In In Arabic - بالعربي

عماد جاد ـ المصري اليوم ـ

تمثل مشاهد قتل مواطنين مصريين قبطيين (الأب وابنه) على يد فرد الشرطة المكلف بحراسة إحدى الكنائس بمحافظة المنيا- اختصارا لواقع أليم وجريمة بشعة تؤكد أننا نمر بمرحلة فى غاية القسوة؛ حيث تمكن فيروس التعصب والكراهية من نفوسِ وقلوبِ وعقولِ مجموعات كثيرة من المصريين.

السؤال هنا: لماذا وصلنا إلى هذه الحالة المركبة التى تنذر بمخاطر شديدة على البلاد والعباد؟

إنه نظام الحكم ومؤسسات الدولة التى تستخدم فى التمييز بين المواطنين.

إنها الدولة حينما تتخذ لنفسها دينا، وتراه الأعلى والأسمى على ما عداه.

إنها مؤسسات الدولة التى تزرع بذور التطرف والتعصب والعنصرية فى نفوس النشء.

وبعد ذلك، لا بد أن يكون الحصار مرًا على الجميع.

يولد الإنسان بريئًا، ويخرج للعالم صفحةً بيضاء، بل ناصعة البياض، ويبدأ محيطه الجغرافى فى ملء ذاكرته،، تبدأ الأسرة أولًا فى غرس الأفكار الأساسية وتدريجيا تبدأ فى تلقينه مبادئ الدين، ثم تقدم له صورة عن مجتمعه والعالم، وتقدم له شرحاً مبسطا لكل ما حوله من بشر وحجر، ثم تتلقفه المدرسة، فيبدأ عالمه فى النمو والتطور، وتقدم له تصورات مبسطة ومكثفه عن مناحى الحياة المختلفة.

وفى المدرسة يتلقى التعاليم الدينية فى حصة الدين، وهنا تبدأ مداركه فى الاتساع، وتقدم له تصورات عن ذاته، وهويته وعن الآخر وطبيعته. وحسبما يتلقى الطفل من تعاليم تتشكل رؤيته للذات والآخر، وفى تلك المرحلة أيضا يبدأ فى تلقى الدروس والتعاليم الدينية، وهنا ما يقوله له رجال الدين يشغل حيزا مهما فى الذاكرة، ويلعب دورا مهمًا فى تحديد طبيعة القيم والمبادئ التى يحملها تجاه الآخر والعالم، وبمرور الوقت تبدأ الشلة أو الأصدقاء فى الظهور ولعب دور فاعل فى حياة الإنسان.

كما أن وسائل الإعلام المختلفة تمارس دورها فى التأثير على تكوين الفرد الفكرى.

عادة ما تلعب هذه الأدوات المختلة (أدوات التنشئة) دورا متكاملًا، إذ إن النظام الحاكم بيده خيوط عدة، فهو من يضع مناهج التعليم، والمفترض أنه يوجه الرسالتين الدينية والإعلامية، ومن ثم تأتى الأدوار الأخرى لتتكامل أو تتقاطع أو تتصادم مع الخطوط العامة لأدوات التنشئة المختلفة.

ومن المهم التوقف هنا عند طبيعة النظام التعليمى السائد فى البلد:

هل هو تعليم واحد أم أكثر من نظام تعليمى؟

هل هناك تعليم دينى مغلق على أصحاب ديانة أو طائفة واحدة، أم أن التعليم مدنى بالكامل؟

هل هو تعليم عام فقط أم هناك تعليم خاص ودولى لا يخضع للإشراف العام للتعليم والتعليم العالى؟

وكلما كان التعليم مدنيا خالصًا، ويخضع لمنظومة واحدة، ويقع تحت إشراف الدولة، أمكن ضبط العملية التعليمية وضمان توحيد ما يتلقفه النشء، بعكس الحال عندما يكون هناك أكثر من نظام تعليمى، وتحديدا عندما يكون هناك نظام تعليم دينى مغلق، يقوم بتشكيل الاتباع عبر رؤية ذاتية مغرقة فى السمو والعلو، مقابل رؤية للآخر تتسم بالدونية والحط من القدر.

المؤكد أنه حسب ما تنقش فى صفحة الطفل البيضاء، يأتى الحصاد، فنشر قيم المحبة والتسامح، وقبول التنوع والتعدد والاختلاف، وتقديم صورة متحضرة وراقية عن الإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وطائفته وعرقه وجنسه- يعنى أننا نبنى إنسانا متحضراً مقبلا على الحياة، محبًا لها، يقوم بمهمة الإعمار فى الأرض، يتفوق فى العلم والبحث العلمى، يفصل بين العلم ونظرياته وطبيعته التجريبية، وبين الميتافيزيقا وطبيعتها الإيمانية التسليمية، باعتبارها تمثل ما وقر فى القلب من إيمان وتسليم، نبنى انسانا يستمتع بحياته وفق ضوابطه الاخلاقية والقيمية، يشع حباً على من حوله فيكون لبنة فى مجتمع متطور يحرتم العلم ويقدر القيم الانسانية الراقية من وخير، وصدق، وعدل، ومساواة وقبول التنوع والتعدد والاختلاف.

أما حشو الأفكار الخاصة بالسمو والرقى والتفوق على ما عداه من بشر لاعتبارات موروثة بسبب العرق أو الدين أو اللغة والطائفة، والإغراق فى الميتافيزيقا ومحاولة تطويع العلم لخدمتها والبحث باستمرار عما يثبت سلامة الإيمان، والبحث عن دليل أو برهان عملى يثبت سلامة الاعتقاد، والدفع باتجاه تكليف الفرد بمهام تمثل اغتصابا لمهام الدولة ووصاية على البشر- كل ذلك ينتج مجتمعًا مغرقًا فى التدين الشكلى، ويذهب ضحية منظومة متكاملة من أدوات التنشئة التى تقود إلى فرد يبحث عن خلاصه الذاتى، على حساب الآخرين والمجتمع.

وهو حالنا فى مصر اليوم.

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1351548

Recent Posts

Leave a Comment