In In Arabic - بالعربي

فاتن صبحي ـ المنصة ـ

ترتدي مريم سعيد ملابس المدرسة وتحكم ربط الإيشارب الذي تغطي به شعرها ليصل إلى عنقها، قبل أن تتوجه إلى مدرستها في قرية مجاورة تبعد مسافة عشر دقائق تقطعها بالتوك توك.

أُجبرت مريم على ارتداء الحجاب طوال العام الماضي، قبل أن تقرر التمرد على فرض الزي المدرسي بهذه الهيئة التي تخالف تعليمات وزارة التربية والتعليم، وتقرر خلع غطاء الرأس، والذهاب إلى المدرسة بدونه.

تدرس مريم في مدرسة طامية الثانوية بنات بمحافظة الفيوم، التي لا يُسمح فيها بكشف الشعر؛ “حاسّة إني داخلة خناقة بدافع فيها عن حريتي قدّام المدرسة وقواعدها، ومعاهم بعض من أهلي اللي مش عايزيني أخالف القواعد وأبقى مختلفة عن زميلاتي”، تقول الطالبة بالصف الثالث الثانوي لـ المنصة معبرةً عن مدى رفضها للقرار الذي أجبرت عليه في سنواتها الأولى في المرحلة الثانوية.

تتذكر مريم أولى محاولات إلزامها بغطاء الرأس “كنت في الطابور أول يوم دراسي، مدير المدرسة كلّمني قدّام زمايلي وقال لي ما ينفعش تيجي بشعرك كده، عيب، بكره تيجي حاطة إيشارب. طبعًا اتصدمت واتحرجت، واكتفيت بهزّ راسي”.

التطبيع مع الحجاب

لم تسلم مريم من تعليقات المدرسين على تواجدها في المدرسة بشعر مكشوف. إجابتها التي كانت تدور حول إعلانها ديانتها لم تكن مرضية

خلال زيارتي للفيوم لمقابلة مريم، تجولتُ في الشوارع أثناء خروج الطلاب من مدارسهم، ولاحظتُ الزي السائد بين الطالبات في مختلف المراحل الدراسية؛ جلباب واسع وخمار أو نقاب.

توقفت أمام طفلة صغيرة تلعب في الشارع وهي ترتدي خمارًا صغيرًا. لم تكن وحدها؛ رأيت كثيرًا من الصغيرات اللواتي يرتدين بيجامات بأكمام قصيرة مع حجاب، في مشهد يعكس حالةً من التطبيع مع فرض الحجاب.

تذكرت المعركة التي خاضتها لمياء لطفي، الناشطة النسوية وأخصائية النوع الاجتماعي عام 2020، حين تعرضت ابنتها لضغوط لإجبارها على ارتداء الحجاب باعتباره جزءًا من الزي المدرسي، مع تهديد بحرمانها من دخول المدرسة حال لم تلتزم بالتوجيه.

أنعشت ذكرى معركة لمياء وابنتها ذاكرتي بمعاركَ مشابهةٍ مثل التي خاضتها مؤسسة المرأة الجديدة عام 2016 للمطالبة بوقف إجبار الطالبات على ارتداء الحجاب في المدارس، تلقت خلالها المؤسسة شكاوى عديدةً تكشفُ عن انتشار الظاهرة في عدد من المحافظات.

أنا مسيحية

مرَّت مريم بتجربة سابقة، حيث طُلب منها ارتداء الحجاب في المرحلة الإعدادية، لكنها لم تطع التعليمات وأصرَّت على التوجه إلى المدرسة من دون غطاء رأس؛ لم تسلم من تعليقات المدرسين على وجودها في المدرسة بشعر مكشوف وحينها كانت تتعمد الإشارة بوضوح إلى ديانتها “كنت بقول لهم أنا مسيحية ومش المفروض ألبس حجاب، وزيادة في التأكيد كنت بروح ببنطلون مش جيبة زي بقية البنات”.

كانت مريم وابنة عمها المسيحيتين الوحيدتين في المدرسة الإعدادية، وهو ما جعلهما محل الأنظار، خصوصًا وأن غالبية الطالبات كن يرتدين النقاب، أو على الأقل الخمار والجلباب، “ماكنش فيه طالبات مسيحيات ولا حتى مدرسين، وعشان كده ما كنش فيه حصة دين مسيحي“، توضح مريم.

وتتذكر كيف أُجبرت ابنة عمها يوستينا على ارتداء غطاء الرأس؛ “المدرسة رفضت إنها تدخل من غير إيشارب، ومامتها اشترت لها طرحة سودا كانت بتروح بيها المدرسة في إعدادي”، تقول الفتاة التي تصغر بنت عمها بعامين. خفف من حدة الضغط الذي مُورس على مريم في المرحلة الإعدادية أن الحضور الإجباري للمدرسة تأثر بالإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا، فكان يُكتفى بالحضور مرتين أسبوعيًا فقط.

الأسرة تدفعها للاستسلام

في بدايات المرحلة الثانوية بدت مريم أقل قدرة على المقاومة؛ من جهة تمسكت إدارة المدرسة بموقفها من رفض دخول الفتيات غير المحجبات، إضافة إلى أن زميلاتها أكثر التزامًا بارتداء النقاب، كما أن أسرتها تحوَّلت إلى مصدر ضغط إضافي لأنها لم تكن على استعداد للدخول في صدام مرهق مع إدارة المدرسة، “أهلي قالولي بلاش تعملي مشاكل عشان ما حدش يضايقك في المدرسة”.

قاد معركة الضغط على مريم شقيقها الأكبر مينا الذي آلت إليه الوصاية عليها بعد وفاة والدها، ورأى أن التماهي مع زميلاتها في مظهرهن سيحميها من التمييز السلبي، ويمنحها تجربة مدرسية خالية من التنمر والتمييز والاضطهاد، كما برر موقفه لـ المنصة.

وفي حين لا تخفي والدة مريم شعورها بالضيق من ظهور ابنتها بالحجاب الأسود، وتتقبله على مضض، وتطلب منها خلعه بمجرد وصولها المنزل، فإن ماجدة، والدة يوستينا، في المقابل ترى أن التزام ابنتها بتعليمات المدرسة بشأن غطاء الرأس أمر طبيعي ومعتاد “جميع الطالبات يلتزمن بالزي المدرسي”.

تتفق ماجدة مع رأي الأخ الأكبر لمريم في أن ارتداء ابنتها للحجاب يحميها من التمييز، وتقول لـ المنصة “شايفة الحجاب عندنا في قريتنا عادة أكتر منه رمز ديني. الناس كلها لابسة إيشاربات وصعب تميزي المسلمة من المسيحية مش بس في المدرسة ولكن كمان في السوق والشوارع”، مؤكدة “يعني القرية مش زي المدينة في مسألة العادات ولبس البنات والستات”. 

ترتدي الحجاب في الصباح من أجل المدرسة وفي المساء من أجل الدروس

حاولت مريم في بادئ الأمر التكيف مع ارتداء غطاء الرأس بطريقة مختلفة “كنت بلبس الحجاب، وبربطه من ورا الرقبة علشان ميكونش حجاب ومع الوقت بقيت أربطه زي صحباتي”.

مع الوقت سقطت مريم فيما يُعرف بالتطابق الاجتماعي /Social Conformity، بما يمثله ذلك من تغيير فردي في السلوك من أجل التوافق مع الجماعة؛ فرغم أن هيئة التدريس في المدرسة الثانوية ضمت مدرسين ومدرسات مسيحيات، فإن ذلك لم يعنِ أن حصص الدين المسيحي كانت ضمن الجدول، “هي حصة كان المستر بيدخل يديها لنا قبل الامتحان يقول المهم وخلاص”.

بسبب تهميش حصة الدين المسيحي اعتادت مريم أن تبقى مع زميلاتها المسلمات في الفصل أثناء حصة الدين الإسلامي بدلًا من أن تقضي وقت الحصة وحدها خارجه. باتت الطالبة المسيحية ترتدي الحجاب في الصباح من أجل المدرسة، وفي المساء أيضًا من أجل الدروس”بقيت بكمل اليوم بيه، ما هي الدروس باخدها مع نفس المدرسين وزميلاتي في الفصل”، لتصبح محجبةً لدرجة أنه “ما حدش بقى يعرف إني مسيحية”.

لم تتقبل مريم التأقلم مع الحجاب المفروض عليها، وقررت التمرد على قرارات المدرسة وأخيها، وذهبت إلى المدرسة بدون حجاب، “لما دخلت المدرسة من غير الإيشارب الكل اتصدم وبصوا لي كأني عريانة أو بعمل حاجة غلط”، لكنها تماسكت لتثبت على موقفها.  

انهال عليها المدرسون والمدرسات بالنصائح لإقناعها بالعودة إلى الإيشارب “بس صممت على موقفي وقولت لهم أنا مش مضطرة ألبسه أنا مسيحية”، كذلك لجأت مريم للحيلة لإقناع أخيها الأكبر بقرارها، “اضطريت أقول له إن نظري ضعيف والإيشارب بيضايقيني ومش بشوف منه”، وبالفعل نجحت الحيلة في إقناعه.

مخالف للقرارات

تشترط المادة الثالثة في قرار وزارة التربية والتعليم حول غطاء الرأي أن تختاره الطالبة برغبتها

سبق وأصدر رضا حجازي وزير التربية والتعليم السابق قرارًا وزاريًا في 2023 يحدد مواصفات الزي المدرسي الموحد لجميع الطلاب بالمدارس الرسمية والخاصة، تشترط المادة الثالثة فيه ألا يحجب الغطاء، الذي تختاره الطالبة برغبتها، وجهها.

وجاء في نفس المادة “أن يكون ولي الأمر على علم باختيار ابنته لغطاء الشعر، وأن اختيارها لذلك، يكون بناءً على رغبتها دون ضغط أو إجبار من أي شخص، أو جهة غير ولي الأمر، على أن يتم التحقق من علم ولي الأمر بذلك”.

تواصلت المنصة مع المدرسة التي أحالت الأمر لوزارة التربية والتعليم، ليتم التواصل مع شادي زلطة المتحدث الإعلامي باسم الوزارة للحصول على تعليقه على الواقعة، لكن لم نتلقَ ردًا حتى نشر القصة.

يُساعد مريم على الوفاء باختيارها رفض ارتداء الحجاب في سنتها الأخيرة من الثانوية أن ذهابها للمدرسة يكون نادرًا، حيث تبدي الإدارة مرونةً مع الطلاب فيما يتعلق بالتشدد في الحضور والغياب، بينما يركز الطلاب على الدروس الخصوصية مصدرًا أساسيًا للتحصيل الدراسي “ما بقيتش تحت سلطتهم بشكل كامل، يعني لو كنت بروح المدرسة كل يوم بالنسبة لي أكيد الضغوط كانت هتبقي أكبر وممكن كنت أضطر ألبسه تاني”.

تشعر مريم بحريتها وحقها في الرفض والمقاومة وتنوي دعم صغيرات العائلة، وتخوض معهن معاركهن القادمة من أجل التمرد على ما تفرضه المدارس بالمخالفة لقرارات الوزارة، كما أنها تنتظر بفارغ الصبر اجتياز المرحلة الثانوية لتلتحق بالجامعة، حيثلا ضغوط من أجل الحجاب، “بحلم بأول يوم جامعة وأنا رايحة لابسة اللي أحبه وشعري مفرود على كتفي من غير ما حد يبص لي بطريقة تضايقني ولا حد يطلب مني أغطي شعري”.

________________________

https://manassa.news/stories/22645?fbclid=IwY2xjawNA65xleHRuA2FlbQIxMQABHl4ZdYe4Uvs1FgayGafZfBsTBvOtiqNI5TX29Jt7ZNXQsFnfrhUqnTJCApIE_aem_VoxRz6zkPbFj5aGG8ICfcQ

Top photo:

تصميم سيف الدين أحمد، المنصة – فرض الحجاب،

Recent Posts

Leave a Comment