سامح فوزي ـ الشروق ـ
يتجدد كل عام نقاش ساخن حول عيد القيامة، الذي لا يعتبر عطلة رسمية، وهو ما يسبب غصة للأقباط، ويجدون في ذلك تضامنًا من قطاع من المسلمين. ورغم إنني أتفهم الاعتبارات وراء عدم اعتباره عطلة رسمية، إلا أن المسألة تحتاج إلى نقاش هادئ، وحل جذري.
من ناحية أولى يُعد عيد القيامة، أكبر وأهم الأعياد المسيحية، يشترك في ذلك كل المسيحيين، أيا كانت طوائفهم، ومن تقاليد الدولة المصرية منذ عقود بعيدة، تهنئة الأقباط بهذه المناسبة، بدءا من رئيس الجمهورية، ويحضر مندوب عنه صلاة العيد، ويشارك بالتهنئة مجلس الوزراء رئيسا ووزراء، والبرلمان بمجلسيه، وقيادات المؤسسات الإسلامية، والهيئات القضائية، والأحزاب، والهيئات العامة، ورغم ذلك فإن العيد ذاته لا يُعد عطلة رسمية، بل هو عطلة فقط لبعض، وليس كل المسيحيين، وهو ما يشكل مفارقة غريبة، فلا يُعد عيد القيامة عطلة للمسيحيين سوى العاملين في الجهاز الحكومي، والبنوك حسب قرار البنك المركزي، لكنه ليس عطلة للمسيحيين الذين يعملون لدى الغير في القطاع الخاص، ويستوجب عليهم ــ طبقا للقانون ــ الحصول على إجازة من رصيد اجازاتهم حتى يحتفلوا بالعيد. وكذلك الأيام التي تسبقه التي لها مناسبة خاصة لدى المسيحيين مثل أحد الشعانين وخميس العهد، أو يمنحها لهم أصحاب الأعمال المسلمين على سبيل المجاملة. ليس هذا فحسب، بل إن الطلاب المسيحيين يستوجب عليهم الذهاب إلى الجامعات والمدارس.
من ناحية ثانية، قد يرى البعض أن عيد القيامة، يمثل معضلة خاصة للدولة، التي يستند دستورها إلى مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع، وتتخذ من الإسلام دين الدولة، وغالبية سكانها من المسلمين، حيث لا يعترف الإسلام بصلب وقيامة السيد المسيح، وهو أمر معروف، ويمثل اختلافا بينًا، يضاف إلى جملة الاختلافات بين الإسلام والمسيحية، ولا غرو في ذلك، فالتعدد من خصائص الكون، والتنوع هو القاعدة وليس التماثل. (..) وفى الدولة الحديثة، حيث يعيش مواطنون مختلفون في كل شيء تقريبا، تصبح المواطنة هي المبدأ الذي يُحتكم إليه، أما الاختلافات الدينية فهي تخص المواطنين في علاقتهم بالخالق، ولا تمس ما يتمتعون به من حقوق وواجبات أو تتصل بعلاقاتهم المتشعبة بعضهم بعضًا.
ومن ناحية ثالثة، توجه سهام النقد، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء في هذه المسألة تحديدا، مثلما هو حادث الآن بعد أن أقر عطلتين إحداهما لعيد تحرير سيناء، والأخرى لعيد العمال، دون أن يشير إلى عيد القيامة، ولكن الحقيقة أنه حاول في أعوام سابقة أن يتعامل مع هذه المسألة دون إثارة حساسيات، لكنه تعرض لانتقادات. ففي إحدى السنوات جعل من التباعد الاجتماعي إبان انتشار وباء كورونا سببًا لإجازة في يوم عيد القيامة، وفى العام الماضي نقل إجازة عيد العمال الذي تصادف قبل ذلك بأيام إلى يوم الأحد، أي يوم عيد القيامة حتى يكون سببًا في منح عطلة رسمية ذلك اليوم، وفى الحالتين انتُقد، رغم نواياه الطيبة، لأنه أعطى إجازة مواربة، في نظر البعض. ويبدو أنه من كثرة ما تعرض إليه من انتقادات في المرتين السابقتين، آثر السلامة هذا العام، وارتكن إلى الموقف الرسمي تجاه عيد القيامة، لكن لاحقته الانتقادات أيضا، رغم أنه ــ في رأيي ــ ليس مسئولا عن الوضع الراهن، والمسألة تتجاوز مجلس الوزراء، وتتطلب موقفا للدولة المصرية. ونتذكر أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك هو من أعلن عيد الميلاد عطلة رسمية.
(..)
من هنا، فقد جاء الوقت كي تنهى الدولة إشكالية عيد القيامة المتكررة سنويًا، فليس معنى وجود عطلة في مناسبة دينية أن هناك اتفاقا عقائديا عامًا على مضمونها أو أنها بمثابة اعتراف ديني عقيدي، لأن المسألة في الأول والآخر تخص أصحابها من المواطنين، واعتبار عيد القيامة عطلة، لا يعنى احتفال المسلمين بالعيد، ولكن يعنى إيجاد البيئة المناسبة لاحتفال الأقباط بالعيد، وإتاحة الفرصة أمام المسلمين ليعبروا عن مودتهم للأقباط، مثلما يحدث من جانب الأقباط في الأعياد الإسلامية. (..)
وللقارئ أن يتخيل أن الشركات الأجنبية، وبعض المؤسسات الخاصة والبنوك، والمدارس الدولية، تخصص إجازة عامة في عيد القيامة، في حين أن المدارس والجامعات الحكومية لا تفعل ذلك، والقطاع الخاص غير ملتزم بذلك، فإذا أردنا أن نتحدث عن لم شمل الأسرة، وتعزيز الروابط الإنسانية، ألا يستحق الأمر أن تكون هناك إجازة عامة تجتمع فيها الأسرة المصرية، مادام بعض أفرادها في عطلة، دون أن يضطر بعضهم الآخر إلى العمل؟
وتشير التجربة إلى أنه كلما اتجهت الدولة نحو تعزيز ثقافة المواطنة والتسامح، لاقى ذلك تأييدا من قطاعات واسعة من المجتمع، (..). فالهم المشترك يجمع كل المصريين. ولا يخص اعتبار عيد القيامة عطلة رسمية المسلمين، لا في عقيدتهم ولا طريقة حياتهم، بل يخص في المقام الأول تقدير الدولة لمناسبة احتفال المسيحيين بعيدهم الكبير، وهو ما لا يختلف عليه قطاع واسع من المصريين، أما إذا احتكمنا إلى آراء متشددة فقهيا، فلن يُرضى المتشددين دينيا أي مظهر من مظاهر التنوع الديني، بدءا من بناء وترميم الكنائس مرورا بزيارات الرموز الإسلامية المعتبرة وقيادات الدولة للكنيسة (..)
من هنا فإنني أرى أنه آن الأوان كي ننهى هذه الحالة الجدلية المتكررة سنويا، بإعلان عيد القيامة عطلة رسمية، وإذا كان تسمية هذه العطلة يستدعى حساسيات لدى البعض، أتفهمها بالطبع، رغم أنى لا أتوقع ذلك، يمكن تسميته عطلة «العيد الكبير عند المسيحيين»، وإنني على يقين أن المصريين سوف يستقبلون الأمر بارتياح واستبشار، وتصبح علامة أخرى مضيئة على طريق المواطنة.
___________________
Abridged from:
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=15042025&id=d84e91cf-7f7b-4cf8-91b1-e9440b999e7b