ماذا يحدث في دير سانت كاترين الشهير؟
بعد قرون طويلة منذ انشائه (خلال الفترة بين ٥٤٨ـ ٥٦٥)، قامت الحكومة المصرية مؤخرا بمقاضاة رئيس دير سانت كاترين أمام المحكمة لطرده هو وكل القائمين على الدير وتسليمه وما عليه من مباني للدولة المصرية واعتبار هذه المباني تعويضاً عن استغلال المكان المدة الطويلة الماضية (!).
الموضوع قد يكون عجيباً وغريباً ولا يصدقه عقل .. ولكن بالفعل هناك إجراءات قانونية تم اتخاذها أمام المحاكم .. وبالفعل صدر حكم بالطرد وتسليم الارض لتبدأ جولة جديدة من الإجراءات، وعلى رأسها استكمال درجات النزاع والتقاضي أمام دوائر الاستئناف وما يليها.
وتكشف أوراق من القضية تفاصيل «النزاع» الذي بدأ منذ أكثر من تسعة سنوات. الدعوى أقامها اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء آنذاك ورئيس الوحدة المحلية لمدينة سانت كاترين، وحملت رقم ٢٤ لسنة ٢٠١٥ اختصما فيها الأنبا ديمتري ساماتريس دميانوس بصفته مطران وممثل قانوني ورئيس دير سانت كاترين .. طالبين تعويضا قدره خمسة ملايين جنيه.
والمعروف أن الدير يتبع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، ويعد الدير الوحيد في العالم الذي يضم مسجداً للمسلمين (يقال أنه قد بني في القرن السابع، لكي يصلي فيه بدو المنطقة العاملين بالدير) وذلك بين مبانيه الاثرية التي شهدت عصورا تاريخية مختلفة، كما أنه مسجل في اليونيسكو كتراث عالمي هام منذ ٢٠٠٢
ويقع الدير عند قدم جبل حوريب، المذكور في العهد القديم، حيث حصل موسى على لوحة الوصايا. والموقع يقدسه المسلمون أيضا ويدعونه جبل موسى.. وهو الدير المسيحي الأقدم الذي حافظ على وظيفته الأساسيّة. كما أن جدرانه ومبانيه تمثل أهميّةً بالغةً لدراسة الهندسة البيزنطيّة. وفي الدير مجموعات كبيرة من مخطوطات وأيقونات مسيحيّة قديمة. وهو يقع في منطقة جبليّة متوحشة تضمّ العديد من المواقع والنصب التراثيّة والدينيّة ويُشكّل خير إطار جمالي يحيط بالدير.
مسار القضية
وتكشف أوراق الدعوى أن الدير مقام على ٢٩ قطعة أرض مطلوب إخلاؤها تماماً وتسليم ما عليها من مبان وزرع وغرس بحالتها واعتبارها تعويضا عن استغلال المكان طوال الفترة الطويلة الماضية.
بجلسة ٢٣ مايو ٢٠١٥ تم إحالة القضية إلى مكتب خبراء، وتضمن تقريرها أن لجنة الخبراء تعذر عليها معاينة ١٩ قطعة ولم يتمكنوا سوى من معاينة ١٠ قطع فقط، لأن باقي القطع تقع على الجبل المرتفع عن سطح البحر أكثر من ٢٦٠٠ متر ولا توجد وسيلة انتقال مناسبة لإتمام المهمة…
وفى جلسة ٥ ديسمبر ٢٠١٦ حدث تطور جديد في الدعوى بتصحيح شكلها وتعديل الطلبات وتصحيح بيانات ومساحات وعدد قطع الأراضي بالدير ورفع قيمة التعويض المالي من خمسة ملايين جنية الى عشرة ملايين جنيه، بالإضافة الى اختصام جهات ومسئولين جدد وهم وزير الأثار، باعتباره رئيس المجلس الاعلى للأثار والمنطقة الاثرية بجنوب سيناء ومنطقة سانت كاترين، ورئيس جهاز شئون البيئة باعتباره الرئيس الأعلى لقطاع المحميات الطبيعية بجنوب سيناء.
وقد تدخل في الدعوى هجومياً اللواء أحمد رجائي محمد السيد عطية مؤسس مدرسة الصاعقة المصرية.. وبجلسة ٢٥ فبراير ٢٠١٧ قضت المحكمة بهيئة مغايرة إعادة الدعوى لمكتب الخبراء وتشكيل لجنة ثلاثية جديدة.
وبجلسة ٢٧ فبراير ٢٠٢٠ قضت المحكمة بإلزام مكتب خبراء السويس لمخاطبة وزارة العدل بالقاهرة لتشكيل لجنة هندسية أخرى وبجلسة ٣١ يناير ٢٠٢٢ أصدرت المحكمة حكماً تمهيداً باستجواب محافظ جنوب سيناء و رئيس الوحدة المحلية لمدينة سانت كاترين لتحديد عدد قطع الأراضي محل النزاع بالدعوى وتحديد أرقام القطع والمنشئات الواردة بكل قطعة أرض .
إلا أن المحافظ أو رئيس مدينة سانت كاترين لم يقدما أي مستندات يفيد ببيانات قطع الأراضي.
وكشفت مذكرة الاستئناف المقدمة من محامي مطران دير سانت كاترين، فتحي راغب حنا، عن خمسة أسباب بنيت عليها أسباب الطعن على الحكم الصادر بطرد المطران وكافة رجال الدين والعاملين من الدير وتسليمه للمحافظة بما عليه من مباني وزرع وغرس واعتبارها تعويضاً عن فترة استغلال المكان منذ إنشائه حتى الآن.
وقد ساق محامي مطران الدير أسباب الطعن:
فاستناداً للمادة ١٣٠ والمادة ١٣١ من قانون المرافعات والتي تؤكد بطلان الحكم الصادر نظراً لوفاة أحد الخصوم وهو المتداخل الخامس بتاريخ ٤ مارس ٢٠٢١ وقدم محامي المدعين صورة شهادة وفاته، وطلب المدعى أجلاً لتصحيح الدعوى واختصام ورثة المدعى ورغم انقطاع الخصومة في الدعوى بقوة القانون إلا أن المحكمة قررت حجز الدعوى للحكم.
عدل الحكم الصادر عن الحكم التمهيدي القاضي بإحالة الدعوى إلى مكتب الخبراء بجلسات ٢٥ فبراير ٢٠١٧ و٣١ أكتوبر ٢٠٢٠ و٢٧ فبراير ٢٠٢٢ وكان قد صدر في جلسة ٢٣ مايو ٢٠١٥ حكم تمهيدي بإحالة الدعوى الى مصلحة الخبراء بوزارة العدل، وبالفعل تم مباشرة المأمورية ولم تستطع اللجنة سوى معاينة ١٠ قطع من إجمالي ٢٩ قطعة. وخلال مباشرة الدعوى تبين أن هناك ٢١ قطعة من أصل ٢٩ قطعة مسجلة بالآثار بموجب قرارات وزارية ولا يجوز تملكها، وأن المدعى عليه يحوز تلك الأراضي بصفته الدينية فجميع الأراضي مشيد عليها كنائس وأديرة وهناك ٨ قطع أرض وضع يد لمدة طويلة.
كما أكد محامي مطران دير سانت كاترين أن الدعوى مقامه من غير ذي صفة، فأراضي الدير ولايتها تتبع إما وزارة الاثار أو وزارة البيئة، وبالتالي فإن وجود محافظ جنوب سيناء كمدعى مخالف للقانون.
وكشفت مذكرة الاستئناف لمحامي الدير أن القطع أرقام ١٦ و١٨ و١٩ و٢١ و٢٢ و٢٤ و٢٥ و ٢٨ تقع في زمام دير سانت كاترين والذى تم تسجيله بالقرار الوزاري رقم ٨٥ لسنة ١٩٩٣ الذي تم نشره بجريدة الوقائع المصرية بالعدد رقم ٢٤١ في ٢٣ سبتمبر ١٩٩٣ واعتبر جميع الأراضي الواقعة في هذه الحدود والاحداثيات أراض أثرية وصدر بشأنها القرار الوزاري رقم ٩٠٥ لسنة ١٩٩٧
أما القطع أرقام ٢ و٣ و٥ و٨ و١٢ و١٣ و٢٩ تقع في منطقة أثار فيران وكاترين بجنوب سيناء وتقع على جبل موسى الصادر بشأنه القرار الوزاري رقم ١٠٦٩ لسنة ٢٠٠٨ بإخضاعها ضمن قانون حماية الاثار رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣ .
أما القطعة رقم ١٨ وتخص منطقة فرش ايليا فهي تقع في زمام منطقة أثار كاترين وفيران بجنوب سيناء والصادر بشأنها القرار الوزاري رقم ٧٨٠ لسنة ٢٠١٠ وإخضاعها ضمن قانون حماية الاثار رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣ .
أما القطعة رقم ٢٧ والتي تخص منطقة النبي هارون وهي تقع في زمام منطقة أثار كاترين وفيران بجنوب سيناء والصادر بشأنها قرار اللجنة الدائمة للأثار الإسلامية والقبطية بجلسته في ١٣ يناير ٢٠٠٩ كما أنها تقع داخل نطاق حرم دير سانت كاترين طبقاً للقرار الوزاري رقم ٩٠٥ لسنة ١٩٩٧
أما القطعة رقم ٢٨ والتي تخص استراحة دير سانت كاترين وهي تقع داخل الحرم بالمنطقة الاثرية لدير سانت كاترين طبقاً للقرار الوزاري رقم ٥٠٩ لسنة ١٩٩٧ وقرار اللجنة الدائمة للأثار الاسلامية والقبطية بجلستها في ١٨ يناير ٢٠٠٠ وبذلك يتأكد عدم خضوع الأراضي لولاية محافظ جنوب سيناء وبالتالي ليس له حق قانوني في إقامة الدعوى.
ويدل كل ماسبق على أن تركيز الاستئناف القضائي هو على النواحي الشكلية والإجرائية، بدون التساؤل عن معنى قيام محافظة سيناء ـ نيابة عن الدولة المصرية ـ في القيام بمثل هذه المحاولات الغريبة والمثيرة للدهشة بهدف الاستيلاء على الدير وتغيير هوية المنطقة بعد قرون طويلة من انشائه
محافظة جنوب سيناء تنفي…
من ناحيتها، نفت محافظة جنوب سيناء ما وجود تهديد أو مخطط لإخلاء دير سانت كاترين، واصفة ما يتداول بأنه «شائعات» (؟!)
وأكد اللواء دكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء على الروابط الطيبة بين دير سانت كاترين ومحافظة جنوب سيناء، وعلى حرص الجانبين على التعاون المستمر بما «يحقق المصلحة العامة» ويعزز من «الروابط التاريخية والثقافية العريقة بين الجانبين»..
وأكدت المحافظة التزامها بدعم دير سانت كاترين وجميع المعالم الأثرية والدينية بالمحافظة، بما يحقق «التوازن بين التنمية، والحفاظ على التراث الانساني والحضاري والثقافي».
ونفت المحافظة ما يتداول بشأن مذكرة دفاع حول قضية بين المحافظة والدير، طلبت فيها المحافظة اخلاء الدير وتسلميه للمحافظة، وطرد الرهبان…
لكن ـ من ناحية أخرى ـ فلا شك أن هناك منذ سنوات عدد من «النزاعات» أمام القضاء بين محافظة جنوب سيناء والدير حول أراض تابعة للدير، لا سيما مع إقامة مشروع «التجلي الأعظم» ونية المحافظة في بناء فنادق سياحية في محيط الدير.
مشروع التجلي الأعظم…
مشروع التجلي الأعظم في مدينة سانت كاترين يقع بين جبل موسى وجبل سانت كاترين، ويتم تنفيذه على مساحة ٢ مليون متر مربع، ويستهدف جذب مليون سائح كل عام للمنطقة في البداية، بتكلفة حوالي أربع مليارات جنيه للمرحلة الأولى.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتمع مؤخرا مع رئيس الوزراء، ووزيرة التنمية المحلية، ومحافظ جنوب سيناء، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لاستعراض مستجدات المشروع بهدف تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية، تمهيدا لافتتاحه بالشكل الذي يليق بقيمته التاريخية والثقافية.
ويحتوي المشروع على ١٤مشروعا بداخله، وتشمل المرحلة الأولى منه إقامة بازارات لتسويق المنتجات السيناوية، والأعشاب الطبية، إضافة إلى تطوير النزل البيئي القائم، وإنشاء النزل البيئي الجديد، وإنشاء ساحة السلام، وإنشاء الفندق الجبلي، وإنشاء مركز الزوار الجديد، وإنشاء المجمع الإداري الجديد، وتطوير المنطقة السياحية، وتطوير مركز البلدة التراثية، وتطوير منطقة إسكان البدو، وتطوير وادي الدير، وإنشاء المنطقة السكنية الجديدة، وإنشاء المنطقة السياحية الجديدة، وتطوير شبكة الطرق والمرافق، ومشروع للوقاية من أخطار السيول مع دعم الغطاء النباتي للمنطقة بأشجار الزيتون.
ويشتمل المشروع أيضا على تطوير منطقة استراحة السادات الشهيرة، والتي تقع على مساحة ١٢ فدان، مع تنفيذ عدة مشاريع فيها مثل إقامة مدرجات للمشاهدة، وإنشاء حديقة متحفية، وتشييد ساحة السلام. وكذلك تطوير منطقة الزيتونة وهي من أبرز المناطق السكنية في مدينة سانت كاترين، من خلال إنشاء «دور عبادة»، وسوق تجاري، ومدرسة، ووحدات سكنية، وحدات سياحية، مع إقامة المركز الجديد للزوار.
ومن المقرر إقامة مراكز سياحية بمنطقة وادي الراحة، أهمها بناء نزل بيئي مستدام يحتوي على ٢١٦ غرفة، وتهيئة ممشى درب موسى، بداية من وادي الراحة حتى الوصول إلى جبل التجلي، مع إنشاء حديقة صحراوية تحازي سفح جبل الوادي.
ومع تحول منطقة سانت كاترين إلى وجهة سياحية ، سيتم إدخال مجموعة من الخدمات والمرافق التي تلبي احتياجات الزوار، وأبرزها إنشاء وحدات سياحية وغرف فندقية ومراكز تجارية وبازارات سياحية، وتوفير سيارات كهربائية ومسارات للمشاة ومساحات خضراء وقاعات عرض.
محاولات تدعو للقلق
على أي حال، فقد خرجت أصوات كثيرة تحذر من الاقتراب من الدير كأهم تراث عالمي في منطقة سيناء بالكامل، وان محاولة التحرش بالدير على مدار السنوات الماضية، تدعو للقلق
ولو كان «نفي» المحافظة جديا، فلماذا لا تقوم الدولة بوقف عملية التقاضي والإعلان بوضوح قاطع أن الموضوع قد أغلق ولا نوجد نية لتغيير الوضع القائم منذ قرون
_________________
Sources: