حنان فكري ـ وطني ـ
شادية وبهية، شقيقتان لهما قصة أغرب من الخيال. ففي عام 2008 كانتا في العقد السادس من العمر، وخلال ليلة زواج ابن شادية، فوجئت بقوات الأمن تلقي القبض على الشقيقتين بتهمة التزوير في أوراق رسمية، حيث أسلم والدهما منذ خمسين عاما، وبناء عليه فإنهما مسلمتان بالتبعية، مما يترتب عليه بطلان كل العلاقات الأسرية التي تأسست بناء علي بطاقات الهوية المسيحية لهما.
تسببت تلك الواقعة آنذاك في صدمة شديدة للمجتمع المصري، وأصابت البعض بذهول، حيث فتحت ملفا غائبا وشائكا فيما يخص حرية العقيدة، لم يغلق حتي هذه اللحظة، وهو ملف الأوراق الثبوتية أو أوراق الهوية الخاصة بالأبناء المسيحيين الذين ينتمون لوالد مسلم وأم مسيحية.
تختص مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية المصرية بإصدار بطاقات تحقيق الشخصية (الهوية)، وشهادات الميلاد والوفاة، وعقود الزواج، وغيرها من الوثائق المهمة. كل هذه الوثائق تشترط إثبات ديانة المواطن. ويتم تغيير خانة الديانة للأبناء تبعا لديانة الوالد تلقائيا دون التيقن مما وقر فعليا في عقيدة الأبناء، أو النظر لديانة الأم، وهو ما يحدث بلبلة في حياة الأبناء الذين يعتنقون المسيحية برغم إسلام والدهم سواء كان مسلما أو متحولا من المسيحية للإسلام.
تلك الممارسات الإدارية تنتهك الحق الأساسي للفرد في أن يدين أو يعتنق معتقدا من اختياره، وهو الحق الذي يكفله الدستور والقانون الدولي، ولا يسمح بأي مساس به لأي سبب كان.
ووفقا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإن معظم تلك الحالات لأبناء مسيحيين تحول أحد والديهم إلي الإسلام، فتم تغيير ديانة الأبناء تلقائيا إلي الإسلام، دون مراعاة لإرادة الأبناء ودون حتي أن يعلم الأبناء بأنهم قد أصبحوا رسميا من المسلمين ـ مثل شادية وبهية ـ إلا عندما يتقدموا بطلبات لاستخراج بطاقات الرقم القومي. وتستند مصلحة الأحوال المدنية في هذه السياسة التعسفية إلي التفسير السائد للشريعة والقانون، والمدعوم بعدة أحكام قضائية، والذي يقضي بأنه في حالة كان أحد الأبوين مسلما والآخر غير مسلم، يتبع الابن تلقائيا «خير الأبوين دينا». وعندما حاول هؤلاء المواطنين المصريين التأكيد علي مسيحيتهم، مدعومين بوثائق من البطريركية القبطية الأرثوذكسية تثبت أنهم ولدوا مسيحيين، وعاشوا حياتهم بأكملها يدينون بالمسيحية، لم يُسمع لهم.
نجت شادية وبهية من المأزق بفضل حكم قضائي أعاد لهما حياتهما من جديد، والتي كانت علي وشك الانهيار. لكن هناك حالات عديدة لا تزال تجني ثمار العوار التشريعي القائم حتي يومنا هذا. فحينما يترك الوالد المسيحية تقوم الجهة الإدارية بالتغيير التلقائي لديانة الأبناء، وفي أي عمر كانوا، وهو ما يؤثر سلبا علي حقوق الإرث، والزواج وكل مناحي الحياة المتعلقة بالديانة.
وليس أدل علي استمرار تلك الممارسات من واقعة الطفل شنودة، منذ شهور قليلة حينما ثبت أنه مجهول النسب، وقررت النيابة العامة إيداعه دار أيتام لحين انتهاء التحقيقات، وفي تلك الأثناء جري تغيير اسم الطفل من شنودة إلي «يوسف عبدالله محمد».
الوقائع كثيرة وممتدة، فهل تريد الجهات الرسمية أجيالا من الكاذبين الذين يحيون بعقيدة معلنة، وفي باطنهم عقيدة أخرى؟! ماذا يضير المجتمع من جود أبناء مسيحيين لرجل أسلم؟ الأديان ليست في منافسة مع بعضها البعض ولا تحتاج منقذا أو مشجعا يقف علي جانب من الطريق يهتف مقحما نفسه طرفا ليمنع استخراج أوراق شخص.
ألا تستحق هذه القضية طرحها علي مائدة الحوار الوطني؟ ألا تستحق الاستحواذ علي اهتمام الدولة لدرء خطر أو شبهة التعامل بطائفية مع أبناء الأب المسلم والأم المسيحية؟
____________________________
https://www.wataninet.com/2023/08/حرية%E2%80%8F-%E2%80%8Fالعقيدة%E2%80%8F-4%E2%80%8F/