In In Arabic - بالعربي

حنان فكري ـ وطني ـ

الأمومة لا تعرف القانون، لا تعترف باختلاف العقائد، لا تقف عند نقاط التماس بين خطين متقاطعين في نقطة العقيدة، الأمومة تسبق الدساتير والقوانين الوضعية، إنها الناموس الطبيعي في قلب المرأة تجاه أطفالها، لكن ميراث التشريعات التي تحتاج مراجعة يثقل قلوب الأمهات ويفطرها، ذلك الميراث الذي يعترض حرية العقيدة ويقوضها، لأنه يتخذ من اختلاف العقائد ذريعة لانتزاع طفل من حضن أمه، فقط لكونها مسيحية إذا اختلفت في العقيدة مع زوجها سواء لأنه غير عقيدته بعد الزواج منها أو لأنها تزوجت به وكل منهما على ديانته مع اختلافهما.

في عام 2010 كتب الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس البرلمان آنذاك، مقالاً مطولاً تحت عنوان ” بين حرية التعبير وحرية العقيدة: نظرة قانونية مصرية“، قائلاً: ”إن الدستور المصري نص على أن الديانة الرسمية للدولة هي الاسلام. وأكّدت المحكمة الدستورية العليا أن المشرّع التزم في جميع الدساتير المصرية بمبدأ حرية العقيدة، مع التأكيد على انعدام الأثر القانوني للنص على ديانة رسمية للدولة أي أنه لا يجوز في مفهوم الحق لحرية العقيدة، أن تيسر الدولة – سرًا أو علانية – الانضمام إلى عقيدة ترعاها، إرهاقاً لآخرين من الدخول في سواها، ولا أن يكون تدخلها بالجزاء عقاباً لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها، وليس لها بوجه خاص إذكاء صراع بين الأديان تمييزاً لبعضها على البعض.“

لماذا نستعين بهذا النص الآن؟ لأنه بالرغم من التفسير القانوني والدستوري المذكور عن حرية العقيدة، إلا أن هناك حقوق وإجراءات قانونية تترتب على تغيير العقيدة منذ عقود وحتى يومنا هذا، بشكل يعكس تمييزاً على الأساس الديني، منها على سبيل المثال لا الحصر المسائل المتعلقة بقانون الأسرة، فعندما يكون الزوجان من نفس الطائفة الدينية، تطبق المحاكم القوانين الأساسية الخاصة بتلك الطائفة. لكن في الحالات التي يكون فيها أحد الزوجين مسلماً والآخر ينتمي لدين مختلف، فإن المحاكم تطبق الشريعة.
وهنا تبرز الأزمة: أين المساواة بين طرفي التقاضي؟ إذا كان أحدهما ينتمي للمبادئ التي سيتم الاستناد إليها في الحكم لقضيته وبالطبع ستكون لصالحه بينما يفتقد الطرف الثاني نفس الميزة خلال مراحل التقاضي ويظل عالقاً في منطقة لا ينتمي إليها.

الأزمة هنا أن التشريعات تتعرض لعدة مسائل شائكة (نتناولها في حلقتين منفصلتين).

المسألة الأولى هي حضانة الأبناء للأم المسيحية التي قام زوجها بتغيير ديانته إلى الإسلام، أو تزوجت من مسلم ثم عادت للمسيحية. إن الآراء الفقهية التي يستند إليها المشرع في قانون الأحوال الشخصية، تنص على أن الأبناء يتبعون ”خير الأبوين ديناً“ (!)، ولا أعلم ماذا تعني كلمة خير ديناً، فوفقًا لقانون الأحوال الشخصية، بعد الطلاق، تصبح حضانة الأطفال من حق الأم حتى سن الخامسة عشرة، ثم يتم تخييرهم في البقاء مع أحد الأبوين ولكن في حالة ما إذا كانت الأم غير مسلمة يتعرض هذا الحق للتهديد، حيث يلجأ بعض الآباء لرفع دعاوى لإسقاط حضانة زوجاتهم السابقات استنادًا الى بعض الآراء الفقهية التي تؤيد إسقاط حق الحضانة عن الأم غير المسلمة بعد سن السابعة للأطفال خوفًا من تأثير الأم على دين الطفل المسلم. فهل ديانة الأم وحدها تكفي لإسقاط الحضانة عنها؟ وماذا لو أثرت الأم على الطفل؟ ألا ينص الدستور على حرية المعتقد إذا وقرت في قلب الشخص أم أننا ننتج أجيالاً تزيف ديانتها بسبب التشريعات؟!، ماذا لو كان الأب مدمناً لكنه «خير الأبوين دينا»؟! هل تكون له الحضانة وتُحرم الأم منها فقط لكونها مسيحية؟! ماذا لو كان الأب عاطلاً أو مجرماً أو منحرفاً؟

أعتقد أن هناك شروطاً إضافية يجب توافرها لإسقاط الحضانة عن المرأة غير المسلمة، وضبط هذه المسائل يمنع التلاعب بالأديان، ذلك التلاعب الذي يلجأ إليه بعض الرجال نكاية في زوجاتهم فيقومون بتغيير ديانتهم لإسقاط الحضانة عن الزوجات في تصرف عقابي للأم بانتزاع اطفالها من حضنها. دون مراعاة المصلحة الفضلى للطفل. لذلك نناشد الملتفين حول مائدة الحوار الوطني حالياً، بإسقاط تلك السياسة التمييزية.
لا يقف الأمر عند الحضانة، ولكنه يمتد لأوراق الهوية الخاصة بالأبناء المسيحيين الذين ينتمون لوالد مسلم وأم مسيحية نتناولها في مقال آخر.

_________________________

https://www.wataninet.com/2023/08/%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%a3/?fbclid=IwAR3s5VVwOObkmVfasPLWE-_V9W7gVPcLHcOOyu_vR7cjwhGDL_2GBqTPaQY

Recent Posts

Leave a Comment