In In Arabic - بالعربي

مدى مصر ـ

لم يأتِ ذكر في مواد الدستور أو في لائحة المجلس على دور لأعضاء البرلمان في «تصحيح صورة السلطة المصرية»، فهذا الدور منوط بالحكومة ممثلة في وزارة الخارجية أو الهيئة .العامة للاستعلامات

حدد الدستور المصري سلطات واختصاصات مجلس النواب، وحصرتها مواده في التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، فضلًا عن إقرار السياسة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واعتماد الموازنة العامة، والموافقة على القروض والمساعدات والمنح والاتفاقيات والمعاهدات.

مواد الدستور الذي أقسم أعضاء البرلمان على احترامه، وضعت آليات وأدوات ممارسة النواب لدورهم الرقابي، بدءًا من توجيه الأسئلة لرئيس الحكومة ووزرائه، مرورًا بتقديم اقتراح برغبة أو طلب إحاطة أو بيان عاجل عن أي موضوع يسعى النائب إلى معرفة تفاصيله، وصولًا إلى الاستجواب، وهو شكل من أشكال محاسبة الحكومة عن الشؤون التي تدخل فى اختصاصات أعضائها، وأخيرًا طلب سحب الثقة والذي قد ينتهي باستقالة الحكومة أو أحد وزرائها.

وهناك ارتباط شرطي بين «الاستجواب»، و«طلب سحب الثقة»، فالأخير لا يُعرض إلا بعد استجواب، وبناء على اقتراح عُشر أعضاء المجلس على الأقل، ويُصدر المجلس قراره عقب مناقشة الاستجواب، ويكون سحب الثقة بأغلبية الأعضاء، وقد ينتهي الأمر باستقالة الحكومة أو أحد الوزراء، وهو ما لم يحدث في مصر في العقود السبع الأخيرة.

كما كفلت المادة 135 من الدستور لمجلس النواب تشكيل لجنة خاصة أو تكليف لجنة من لجانه بتقصي الحقائق في موضوع عام لفحص نشاط إحدى الجهات الإدارية أو الهيئات العامة أو المشروعات العامة، وذلك من أجل تقصي الحقائق في موضوع معين، وإبلاغ المجلس بحقيقة الأوضاع أو إجراء تحقيق في أي موضوع يتعلق بالأعمال السابقة أو غيرها، ويعد ذلك شكل من أشكال الرقابة، التي من المفترض أن يمارسها البرلمان على الحكومة المسؤولة أمامه.

تلك هي المهام التي أوكلها المشرع الدستوري لأعضاء البرلمان، وصاغها في وثيقة حصلت على موافقة نحو 98% من أصوات المصريين عام 2014، وكما حددت مواد الدستور سلطات النواب، وضعت لائحة المجلس الداخلية اختصاصات لجانه النوعية والبالغ عددها 25 لجنة، والتي تختص بمعاونة المجلس في ممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية.

فالمادة (44) من لائحة المجلس أسندت إلى كل لجنة من لجانه النوعية «دراسة وإبداء الرأي في مشروعات القوانين، والاقتراحات بقوانين، والقرارات بقوانين، وغير ذلك من الموضوعات المتعلقة بالاختصاصات المبينة قرين كل منها».

كذلك، أوكلت اللائحة إلى لجنة حقوق الإنسان متابعة ملف الحقوق والحريات، وإبداء الرأي في التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية المتصلة بحقوق الإنسان، والتشريعات المتعلقة بالعدالة الانتقالية، ودراسة الموضوعات المتعلقة بالقانون الدولى الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان، والجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان في تقارير المجالس القومية والهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، وبحث الشكاوى التي تُقدم من المواطنين والهيئات فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وغير ذلك من المسائل الداخلة في اختصاص الوزارات والأجهزة المختصة بشؤون حقوق الإنسان.

إذن، وعلى سبيل الحصر، فإن اختصاصات السادة أعضاء لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، هي مراقبة أداء الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية لقياس مدى التزامها بالحفاظ على حقوق وحريات المواطن المصري وصون كرامته، ودراسة واقتراح وإبداء الرأي في القوانين والتشريعات التي تتصل بهذا الملف، وعرقلة أي محاولة لتقنين أو شرعنة إهدار حقوق المصريين وحصار حرياتهم الشخصية والمدنية، بل وتنقيح التشريعات القائمة من أي مواد تمس تلك الحقوق والحريات، واقتراح تشريعات بديلة تحفظ على المصريين حقوقهم وكرامتهم.

يضاف إلى ما سبق فتح أبواب التعاون مع المنظمات والهيئات والجمعيات الوطنية والدولية ذات الصلة، لتحقيق ما ورد في نصوص الدستور ومواد المعاهدات والاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر، والتي تحقق ذات الأهداف المشار إليها.

ولأن مجلس النواب الحالي جرى هندسته على النحو الذي تابعناه، ولأن أعضاءه يدينون بالولاء للأجهزة التي مهدت طريق معظمهم إلى البرلمان، فتبدلت اختصاصاتهم وأدوارهم من الرقابة على أعمال السلطة والدفاع عن حقوق المواطنين إلى الهجوم على أي فرد أو جهة تتحدث عن تقصير أو انتهاك لحقوق وحريات المواطن المصري، سواء كانت تلك الجهة مصرية أو دولية، حتى صار هجوم أعضاء تلك اللجنة، ومن خلفها كتائب التأييد الإعلامية والسياسية، على أي منظمة معنية بحقوق الإنسان مشهدًا كوميديًا في مسرحية عبثية لم يتوقف عرضها في مصر منذ سنوات طويلة.

انضمت مصر إلى الأمم المتحدة كعضو مؤسس ضمن 51 دولة شاركت في تأسيس المنظمة الدولية عام 1945، ومنذ انضمامها، وقّعت مصر على معظم الاتفاقيات والعهود الخاصة باحترام حقوق الإنسان، بل أن الكاتب الصحفي محمود باشا عزمي، مندوب القاهرة الدائم بالأمم المتحدة، في مطلع خمسينيات القرن الماضي شارك في صياغة مشروع العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وصارت تلك الاتفاقات والعهود الدولية والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر ملزمة ولها قوة القانون، بحسب المادة (93) من الدستور الحالي.

وحينما انُتخبت مصر لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قبل أربع سنوات، احتفت مؤسسات السلطة الرسمية وأذرعها الإعلامية بهذا الفتح المبين الذي جاء «تأكيدًا للتقدير الدولي لما تم اتخاذه من خطوات وإجراءات لإعلاء قيم حقوق الإنسان وسيادة القانون في مصر، وتتويجًا لدور وجهود الدبلوماسية المصرية.. إلخ».

رغم كل ما سبق، وعندما طالب ثلاثة مقررين خواص في الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن صحفيين وسياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان محبوسين على ذمة قضايا سياسية، انبرى نواب لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان في وصلة هجوم على المنظمة الأممية، التي تسعى إلى «النيل من مكانة مصر من خلال مزاعم مغلوطة عن ملف حقوق الإنسان».

ودبج أعضاء اللجنة بيانًا اعتبروا فيه أن اتهامات ماري لولر، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، «ضيقة، ومجتزئة، ومضحكة»، وأكدوا أن مصر تشهد «اهتمامًا متناميًا وملحوظًا وغير مسبوق بأوضاع حقوق الإنسان والارتقاء بالمواطن وحقوقه الأساسية بمفهومها الشامل في ظل مناخ تغلفه الديمقراطية، واستكمال مؤسسات الدولة، والتي من بينها برلمان عريق بغرفتيه، يمارس أدوار رقابية وتشريعية تعزز من سيادة حكم القانون وكفالة الحريات العامة والخاصة».

كانت لولر قد عبرت قبل اجتماع اللجنة بساعات عن استيائها من حبس المدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين، والاحتجاز المطول قبل المحاكمة واتهامهم بأنهم أعضاء في منظمة محظورة، وقالت إنها تشعر بقلق بالغ من «ممارسات السلطات المصرية لإسكات المعارضة، على الرغم من الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني».

وطالبت لولر، بالإفراج الفوري عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء في المجتمع المدني وأفراد أسرهم. قائلة: «يجب إنهاء استخدام الاحتجاز المطول السابق للمحاكمة وإساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والأمن القومي لتجريم عمل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني»،  مشيرةً إلى أنه يجب استخدام الاحتجاز السابق للمحاكمة فقط كاستثناء للقاعدة، بدلًا من أن يصبح أمرًا ممنهجًا، و«لا يقتصر الأمر على استهداف هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وغيرهم من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني بشكل غير ملائم بسبب دفاعهم المشروع والسلمي عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية».

وردت لولر على تعليقات نواب البرلمان الرافضة لمطالبتها بالإفراج عن السجناء قائلة: «بعض نواب مصر غير راضين عن تصريحي حول سجن المدافعين عن حقوق الإنسان.. يجب أن ألتزم بإعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان والمعايير الدولية.. إذا أرادت الدول تجنب الانتقادات، فعليها التوقف عن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان وعائلاتهم».

لم تطلب السيدة لولر من حكومة مصر سوى الالتزام بما قبلت به وصادقت عليه الدولة ممثلة في حكوماتها المتعاقبة، ولم تدعُ إلى مخالفة المنظومة التشريعية المصرية، مع ذلك نالها من نواب لجنة حقوق الإنسان ما نالها، أخرج أعضاء اللجنة من جعبتهم العبارات والمصطلحات التي يصدرونها مع كل نقد يوجه لملف حقوق الإنسان في مصر، وتحدثوا في بيانهم المشار إليه عن «أجندات معادية، وممارسات مفضوحة، واعتراضات مضحكة لا تقبلها دولة ذات سيادة، وتستند على معلومات مغلوطة تُصدرها جماعات التطرف والإرهاب» إلى آخر تلك الكليشيهات المكررة.

وأشار بيان النواب إلى أن ما يرد عن المتهمين المحبوسين احتياطيًا في بيانات منظمات حقوق الإنسان الأجنبية يتجاهل أن ذلك «جاء وفق حيثيات قانونية دقيقة طبقًا لقانون الإجراءات المصري، لاتهامهم بارتكاب أو المشاركة في جرائم تخالف النظام والآداب العامة أو تورطهم في قضايا تمس الأمن القومي».

كان أولى بأعضاء اللجنة الموقرين، إنفاذًا لليمين الدستورية الذي أقسموا عليه، أن يتعاطوا مع تصريحات المسؤولة الأممية بشيء من التجرد والجدية، وأن يحققوا فيما ذكرته من اتهامات لحكومة مسؤولة عن أعمالها أمامهم، وأن يستخدموا أدواتهم الرقابية ويسألوا الجهات المعنية (أمنية وقضائية) عن أسباب وظروف حبس من ورد ذكرهم على لسان لولر وغيرها من مسؤولين في منظمات وجمعيات معنية بحقوق الإنسان.

لا ننتظر من أعضاء اللجنة أن يستجوبوا الحكومة أو يطالبوا بسحب الثقة منها، بناءً على ما يثار عن حال ملف حقوق الإنسان في مصر، لكن، أضعف الإيمان أن تعمل اللجنة على تقصي الحقائق من مصادرها المعلومة ما دامت مصادر المنظمات الدولية التي تشارك مصر في عضويتها غير موثوقة من وجهة نظرهم.

إن كانت تلك المنظمات والهيئات تستهدف مصر، بحسب ظنهم، فهناك العديد من الجمعيات والمنظمات المصرية، على رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان، استقبلت خلال الأعوام القليلة الماضية مئات الشكاوى عن احتجاز وحبس صحفيين ومدونين وسياسيين، فلماذا لا تبادر اللجنة بالسؤال عن مصير تلك الشكاوى وأصحابها كجزء من مسؤولياتها -نظريا على الأقل- أمام الشعب الذي أوكلها مهمة التصدي عن حقوقه وحرياته.

لا ينتظر الرأي العام من أعضاء اللجنة إحداث اختراق في ملف حقوق الإنسان، ولكن، ذرًا للرماد في العيون كان يمكن أن يتساءل هؤلاء النواب عن أسباب حبس المعارضين وأصحاب الرأي الذين يعرفهم بعض أعضاء اللجنة معرفة شخصية احتياطيًا، رغم انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي، فلن يعبث أحدهم حال إخلاء سبيله بالأدلة أو يؤثر على الشهود أو يضر بمصلحة التحقيق، فضلًا عن أنه لم يرتكب أي جرائم خلال فترة حبسه ليعاد حبسه «تدويره» على ذمة قضية أخرى.

لم يأتِ ذكر في مواد الدستور أو في لائحة المجلس على دور لأعضاء البرلمان في «تصحيح صورة السلطة المصرية»، فهذا الدور منوط بالحكومة ممثلة في وزارة الخارجية أو الهيئة العامة للاستعلامات. دور نواب الشعب، الذي يصحح صورة مصر بالفعل لا بالقول، هو الانحياز لحقوق وكرامة الشعب المصري، هذا إن كانوا بالفعل نواب عن الشعب، أما إذا كانوا نواب السلطة فعليهم أن يستمروا في الدفاع عنها وتأييدها، حينها يحق عليهم مصير من سبقهم.

https://mada29.appspot.com/madamasr.com/ar/2021/02/04/opinion/u/الضحك-في-حقوق-إنسان-البرلمان/?fbclid=IwAR0VphPugI7CYDOvUhPLRvmu6wMmXzA8dMhIlkOWTkcIYIwbOwVdnizDfDI
Recent Posts

Leave a Comment