In In Arabic - بالعربي

د. فؤاد عبد المنعم رياض ـ الأهرام ـ

الإنسان عدو ما يجهل، والمواطن المسلم العادى لا مرجعية له فى معرفة أخيه المسيحى سوى المعلومات المشوَّهة الناجمة عن الخطاب الدينى المضلل والمتعصب وعن تجاهل مختلف وسائل التعليم والإعلام تاريخ الأقباط وحضارتهم بوصفهم مصريين أصلاء؛ الأمر الذى جعل المواطن المسلم ينظر للمواطن القبطى كضيف ثقيل الظل على أرض الوطن. ويتضح فى كثير من المجالات وفيما نراه اليوم من معارضة تجاه إلغاء خانة الديانة التى تفصل شريحة مهمة عن باقى أبناء الشعب. ولا تزال أغلبية أبناء مصر من المسلمين غير واعية بأن شعب مصر ظل قبطيا خلال قرون عديدة قبل الفتح الإسلامى وبعده.

لقد أصبح من أولى الضرورات العمل على التغيير الجذرى بأمانة وشجاعة لكل ما أدى إلى تمزق الوطن من نصوص تشريعية كتلك التى تلزم كل مواطن بالإعلان عن انتمائه الدينى فى الأوراق الرسمية للدولة، وغير ذلك من النصوص التى تؤدى إلى انتماءات فرعية تتنافى مع الانتماء الأصلى للوطن. كما يتعين التنقية الكاملة للخطاب الإعلامى والدينى وبرامج التعليم بحيث لا يُقصى أى شريحة أخرى من أبناء مصر. هذا فضلا عن تعريف كل شريحة من شرائح المجتمع بالثقافة الدينية للشرائح الاخرى، وإبراز ما تتضمنه من مبادئ مشتركة، ومن ثم تدرك كل شريحة معنى المواطنة التى لا تقبل أى انقسامات أوانتماءات فرعية تشتت شعب الدولة.

وجدير بالذكر أن المواطن القبطى أكثر دراية بالعادات والتقاليد الإسلامية فى حين أن المواطن المسلم لا يحرص عادة على فهم العادات والطقوس الدينية لأشقائه من الأقباط. فمنذ نعومة أظفارهم يتلقى الأقباط والمسلمون جميعًا تاريخ الحضارة الإسلامية ومكوناتها فى مقررات التاريخ واللغة العربية وآدابها، لذلك نرى رأى العيان أن المصرى القبطى حريص على مشاعر إخوانه من المصريين المسلمين فى شهر الصيام فلا نراهم يجاهرون بإفطارهم فى نهار رمضان، بل نعرف منهم من يواصلون الصيام عن الطعام والشراب سحابة النهار على سبيل المجاملة والمشاركة الوجدانية مع زملائهم فى العمل، ومن ناحية أخرى لا يكاد المصرى المسلم يلحظ أيام صيام إخوانه من الأقباط الذين لا يرتفع صوتهم للشكوى من تناول المسلمين لما حُرَّم عليهم من مأكولات بل إنهم يتقبلون ذلك كله بروح سمحة هى جوهر الدين المسيحى خصوصًا والأديان السماوية جميعها عمومًا. ومن ناحية أخرى تخلو تلك المقررات من الإشارة إلى تاريخ مصر فى الحقبة القبطية وما اتسمت به من قيم ومآثر تدعو للفخر. ومن ثم فإنَّ المصرى المسلم يعتبر الطقوس المسيحية الممتدة فى تاريخ هذا الوطن عدوانا على هويته الدينية ويشن عليها حربا شعواء. فمازلنا نشهد الاعتداء الاجرامى على الكنائس والقيود المشددة على إنشائها إن لم يكن ترميمها.

لقد عانت أجيال عديدة من تجاهل نظام التعليم ومن سياسات الإعلام بل أصرت الأغلبية المسلمة على تهميش الاقباط فى العديد من نواحى الحياة الاجتماعية بل والرسمية. لذلك يتعين بداية أن يُبادر المشرع بوضع حدٍ لهذه العوامل الهدامة، أملا فى مستقبل أفضل تسود فيه الوحدة الوطنية القائمة على الواقع الفعلى لا الشعارات الرنانة. ويأتى على رأس قائمة التشريعات المطلوبة إلغاء خانة الديانة التى تجسد التفرقة بين أبناء الوطن الواحد. بيد أن الاكتفاء بإلغاء خانة الديانة لن يجدى وحده ليحول دون استمرار التفرقة بين شرائح المجتمع. فهذا الصدع الذى يشق صف الأمة هو فى حقيقة الأمر نتيجة ضرورية للمعطيات التى نجم عنها رسوخ الفرقة فى العقول قبل أن يسجلها التشريع، ومن ثمَّ فإنَّ مجرد إلغاء خانة الديانة من المستندات الرسمية للدولة لن يحمى الوحدة الوطنية مالم يتم محوها من عقل كل مصرى ووجدانه.

http://www.ahram.org.eg/News/202850/4/683966/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1%D9%8F-%D8%AE%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D9%84%D9%86-%D9%8A%D9%83%D9%81%D9%84-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1%D9%8E-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%B1.aspx

Recent Posts

Leave a Comment