In In Arabic - بالعربي

محمود العلايلي ـ المصري اليوم ـ

بالاطلاع على الدستور المصرى وعلى المادة الثانية منه المنصوص عليها من العام 1923، مع إضافة حرفى الألف واللام على كلمتى مصدر ورئيسى فى عهد الرئيس السادات (*)، فى مقايضة مع الأزهر لتعديل مدد حكمه فى الدستور- نجد:

مادة ( 2 )

الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. (تمت المادة).

بالقطع لم يشاهد أحدنا دولة تصلى أو تصوم، وبالقطع لم يشهد أحد دولة تمارس الرياضة أو تهوى الأعمال المنزلية!، لأن الدولة كيان اعتبارى لا يدخن ولا يصوم ولا يقوم بعمل المسقعة!، بينما أصر صائغو الدستور المصرى على مدى حوالى قرن تحميل الدولة ملامح ومسؤوليات بشرية من أجل توافقات بين السياسيين والسلطة الدينية.

وفى سياق لا أجده منفصلا استحدثت المادة السابعة من الدستور 2014:

مادة (7)

الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم.

وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.

وشيخ الأزهر مستقل وغير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. (تمت المادة).

وبفحص هذه المادة ودراستها وجدنا الآتى: -أن الأزهر هو المنوط دون غيره بتطبيق الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور التى لم توضح أى نوع من التشريع المقصود.

-أن شيخ الأزهر، استثناء من منصب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والوزراء، وأعضاء مجلس النواب، لم يحدد الدستور طريقة إنهاء خدمته، وكأن المنصب مرهون بالقداسة والعصمة، بالإضافة إلى أن الدستور لم يحدد كما حدد للمناصب السابق ذكرها سنا ولا شروطا لجنسية الشيخ أو أفراد أسرته.

-«هيئة كبار العلماء»، كانت قد أنشئت فى العام 1911 وتم حلها فى سنة 1961 لتعود فى عام 2012 على يد الدكتور أحمد الطيب، ومن ضمن اختصاصها انتخاب شيخ الأزهر، وترشيح مفتى الديار المصرية والبت فى الأمور الدينية.

-«مجمع البحوث الإسلامية»، وهو من هيئات الأزهر، وهو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وتقوم بالدراسة فى كل ما يتصل بهذه البحوث، ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية، وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسى والمذهبى.. (فقرة من قانون تطوير الأزهر لعام 1961).

-ومن المؤسسات الأخرى، «المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية» وهو تابع لوزارة الأوقاف واختصاصاته لا تختلف كثيرا عن اختصاصات الأزهر المنصوص عليها فى الدستور، وقد طالب عدد كبير من الأئمة وخطباء المساجد بضم قطاع الدعوة لهيئة كبار العلماء بالأزهر.

طبعا كل هذه المؤسسات بهياكلها التنظيمية، ومناصبها التراتبية، لرجال الدين فى الأزهر وغيره، إضافة إلى عشرات الآلاف من الأئمة والدعاة تحت ادعاء أنه لا كهانة فى الإسلام، اعتمادا على المئات من المعاهد الأزهرية التى تبلغ حوالى 9569 معهدا، تشمل جميع المراحل التعليمية، ويبلغ عدد التلاميذ الدارسين بالتعليم الأزهرى نحو مليونى تلميذ وتلميذة، بالإضافة إلى كليات جامعة الأزهر التى يلتحق بها حوالى 290 ألف طالب وطالبة، أى أكثر من الملتحقين بجامعة القاهرة، وكل هذه الكليات الأزهرية سواء كانت دينية أو دنيوية لها العديد من الفروع المنتشرة فى كافة المحافظات، كما أنها كليات تقوم على نظام التقسيم بحسب الجنس، كما تقتصر الدراسة بها على المسلمين دون غيرهم.

أردت بهذا البيان المبسط طرح مفهوم الدولة المسلمة كما جاء فى المادة الثانية من الدستور، والترسيخ للدولة الإسلامية الأزهرية ككيان مستقر داخل الدولة المصرية يؤثر فيها ويهيمن عليها، فى دولة ندعى أننا قد قمنا بثورة فيها ضد الفاشية الدينية، بينما يؤسس لذلك الدستور من ناحية، والممارسة من ناحية أخرى حيث تقوم المؤسسة بدور المحتسب فى الدولة، لإثبات شرعية وجودها بحجب أو تمرير القوانين، وبمنع أو إجازة التصرفات، سواء من الأفراد أو من مؤسسات الدولة، فى ظل التغاضى المتعمد عن عامل فى غاية الأهمية هو أن هناك مواطنين يدينون بديانة أخرى لا يمكننا بأية حال إغفال عددهم وقيمتهم وتأثيرهم فى المجتمع، مع حقهم فى عدم الالتزام بما تتخذه هذه المؤسسة من تدابير ولا ما تقرره من التزامات!.

لاقى قانون يهودية الدولة (قانون القومية) والذى أجازه فى يوليو 2018 الكنيسيت الإسرائيلى انتقادات على نحو عريض، ليس فقط لأنه قانون عنصرى، ولكن بسبب وضعيته التشريعية لأنه من مجموعة القوانين التى تعد من قوانين الأساس والتى تعلو- بحسب النظام القانونى لإسرائيل- على التشريعات العادية، والذى ينص من ضمن مواده أن إسرائيل هى الوطن القومى لليهود واللغة العبرية هى اللغة الرسمية.

ولكن باستعراض بنيتنا الدستورية العنصرية بامتياز، ودون الحاجة للإحالة إلى النظام الوهابى فى العربية السعودية أو نظام الملالى فى إيران، أو إلى دساتير أغلب الدول الإسلامية، أعتقد أنه بعيدا عن الاستراتيجيات وتدابيرها والسياسة ومقتضياتها، ولكن من باب الحياء، بل من العار أن نهاجم أو ننتقد أو حتى نناقش قانون (يهودية الدولة)، بل الأولى من باب الستر، أن ننظر إلى واقعنا كيف نعيشه، وإلى دستورنا وكيف سطرناه والى قوانيننا وكيف نطبقها!!

_____________________

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1312603

(*): توضيح من الموقع: دستور ١٩٢٣ نص على «دين الدولة»، لكنه لم يذكر شيئا عن «مبادئ الشريعة» التى أدخلها السادات في دستور ١٩٧١ ثم أضاف «الألف واللام» في ١٩٨٠

Recent Posts

Leave a Comment