In In Arabic - بالعربي

إنك لا تجنى من الشوك العنب. ولو كنت أنا المحامى المكلف بالدفاع عن سفاح الغردقة لطلبت له البراءة. وربما اعتبرته مجنيا عليه وطلبت له تعويضا مناسبا عن الأضرار التى لحقت به بسبب الجريمة النكراء التى كان فيها مجرد أداة مسيرة شأنه شأن القنبلة التى تعبأ وتهيأ للانفجار من بعد فى المكان المقرر والوقت المحدد. سفاح الغردقة ليس مسئولا وحده عما جنته يداه!

لقد كمن تحت سطح الماء وهو بكامل ملابسه كأنما ذهب ليؤدى واجبا رسميا أو ليحضر حفلة ساهرة. حتى إذا رأى السائحات السابحات الفاتنات من حوله يتمرغن فى الموج شبه عاريات مستسلمات للماء الذى اتحد بضوء الشمس انهال عليهن بسكينة طعنا وذبحا كأنما يشارك بطريقته فى هذا العناق الشهوانى العنيف. والحصيلة قتيلتان من ألمانيا بلد السيدة إنجيلا ميركل! وأربع جريحات من أوكرانيا، وأرمينيا، والتشيك. وهى حادثة مفهومة ومتوقعة. بل هى الآن مألوفة ومتكررة، لأن الشوك يملأ أرضنا الآن. وقد رأينا نساء منتقبات يشهرن مقصاتهن فى عربات المترو وينهلن بها على ضفائر السافرات. لا يوجد فرق كبير بين قص الشعر وقص الرقبة. وأنت لا تجنى من الشوك العنب!

هذا الشوك، والمقصود به سفاح الغردقة، لم يصنع نفسه وإنما صنعناه نحن وزرعناه. صنعته الأسرة التى أنجبته، والمجتمع الذى نشأ فيه، والمدارس التى تعلم فيها، فإذا أردنا أن نحاسبه على ما فعل ونفهم الدوافع التى استولت عليه وحولته إلى آلة مسيرة وقنبلة متفجرة فعلينا أن نعرف صورة المرأة ومكانها الذى تحتله فى هذه الدوائر الثلاث، فى الأسرة المصرية، والمجتمع المصرى، والمدارس والمعاهد المصرية.

أما فى الأسرة، وأنا أتحدث عن الأسرة البسيطة التى ينتمى لها معظم المصريين فصورة المرأة فيها هى صورتها التقليدية الموروثة التى لم تتغير كثيرا عما كانت عليه فى العصور الماضية. لأن غالبية الأسر المصرية لاتزال تعانى فى هذه الأيام ما كانت تعانيه من قبل. الامكانات المادية المتواضعة، والأمية أو ما يشبهها، والتشبث بما كان سائدا فى الماضى من أوضاع وتقاليد ومحرمات لا تستطيع هذه الأسر أن تتحرر منها أو تعترض عليها، لأن الحرية لها ثمن لا يقدر على دفعه إلا من يملكون من الثروة والثقافة ما يستطيعون به أن يتخلصوا من ميراث الماضى الثقيل وينتموا للعصور الحديثة. فإذا لم يكن هذا متاحا لهم فهم يتشبثون بهذا الميراث، وخاصة بوضع المرأة وما يرتبط به من المسائل التى تتصل بالجنس، والدين، والثروة، والسلطة وما تأسس على هذه المسائل من حقوق وواجبات انحازت للرجل وجعلته وليا مسئولا عن المرأة، سواء كان أبا أو زوجا أو جدا أو أخا أو ابنا له على المرأة السمع والطاعة وإلا أصبحت معرضة للاتهام والعقوبة التى تصل أحيانا إلى الموت دفاعا عن الشرف الذى لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم! فاذا كان هذا هو وضع المرأة فى الأسرة التى نشأ فيها سفاح الغردقة، وهو بالتالى وضعها فى المجتمع الذى تعتبر هذه الأسرة لبنته الرئيسية فبوسعنا أن نتخيل ما أصابه حين رأى هؤلاء النساء الكاسيات العاريات.

بل إن وضع المرأة فى المجتمع أسوأ من وضعها فى الأسرة. لأنها مع ذويها تستطيع أن تتحرر بعض الشىء وأن تجد فيهم من يتعاطف معها. أما فى المجتمع فهى ملتزمة بصرامة ما يلتزمه الجميع. وبهذا الالتزام اندفع السفاح ليرتكب الجريمة التى ارتكبها بوصفه مندوبا عن المجتمع وممثلا لقيمه وتقاليده التى قد نتعامل معها بقدر من الحرية داخل جدران البيت، أما فى المجال العام الذى ينتمى فيه كل فرد للمجتمع كله فالتقاليد هى صاحبة الكلمة العليا، خاصة حين يتعلق الأمر بالمرأة وفى الظروف التى يتعرض فيها المجتمع كله للضغوط ويلجأ فيها للانغلاق ويتراجع أمام المهووسين والمتطرفين الجهلاء كما هى حالنا فى المراحل الأخيرة التى اهتزت فيها ثقتنا فى المستقبل وانفتح فيها المجال أمام الجماعات الشريرة التى خلطت كل شىء بالدين كما تفهمه بصدرها الضيق وعقلها المتخلف فأصبحت الحياة اليومية بهذا الخلط وهذا الفهم حلقات فى سلسلة من الأغلال يستدعى بعضها بعضا. مانراه وما نسمعه وما نقوله وما نفعله. فى الكتاتيب التى حلت محل المدارس، ودكاكين الفتوى التى زاحمت المطاعم والمخابز، حتى تكتمل الدائرة ونجد أنفسنا بين أهل الكهف فى عصور الظلام نخاف من الحرية ونعتبرها مفسدة. ونكره العقل ونطمئن للخرافات. ونهرب من الجمال إلى القبح. لأن الجمال فى نظرنا فتنة وغواية، والقبح عفة وحياء. وبهذه العقلية وهذه الروح خرج سفاح الغردقة من تحت سطح البحر ليبدد شمل هؤلاء النسوة اللائى اجتمعت فيهن ثلاث صفات تكفى كل منها لأن تجعل صاحبتها هدفا لطعنات السفاح. فهن نساء ناقصات عقل ودين. وهن غير مسلمات فلا عقل ولا دين. وهن عاريات فلا عقل، ولا دين، ولا حياء، ولا أدب. وهذى هى التربية التى تلقاها سفاح الغردقة فى البيت والشارع والمدرسة والكلية. وهذا هو المحصول. وأنت لا تجنى من الشوك العنب!

لقد تخرج سفاح الغردقة فى الأزهر وتخرج فى كلية التجارة كما قرأنا فى الصحف. ونحن نعرف أن مكان المرأة فى البرامج الدراسية المقررة على طلاب الأزهر لم يتغير عما كان عليه فى العصور الوسطى. فالمرأة ملك للرجل أو أجيرة عنده يشترى تمتعه بجسدها بالمهر الذى يدفعه لها أو لوليها الذى يحق له أن يجبرها على الزواج بغير إذنها إذا كانت صغيرة «تطيق الوطء» ولا عبرة بالسن!

وجسد المرأة كله عورة فى نظر القدماء. لأن المرأة ناقصة عقل ودين. فهى ليست كفؤا لأن تمارس ما يمارسه الرجال من النشاط العام، ولا أن تلتزم ما يلتزمه من المبادئ والقيم الخلقية. والنشاط الوحيد الذى تستطيع أن تمارسه بكفاءة هو النشاط الجنسى. ومن هنا كان جسدها مثيرا فى كل وقت فهو كله عورة. ومن هنا كذلك كان عجزها عن تولى أمور الجماعة فى القضاء والادارة والسياسة. وفى هذا نقرأ فى برامج الأزهر أن «الأنثى ناقصة عن الرجال»، ونقرأ الحديث المنسوب للرسول الذى يقول «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».

ولا شك فى أن المرأة المصرية تجاوزت هذا الوضع خلال القرنين الماضيين حين أتيح لها أن تتعلم وأن تعمل وتثبت كفاءتها العقلية والأخلاقية. لكننا تراجعنا فى العقود الأخيرة وخسرنا الكثير مما ربحناه. والمرأة المصرية مازالت تتعلم الآن وتعمل، لكن العلم والعمل بالنسبة لها أصبحا مجرد شكل موروث لا ينفى الحقيقة الأصلية، وهى أن جسدها كله عورة، فلابد من إخفائه بالنقاب أو القضاء عليه بالسكين كما فعل سفاح الغردقة.

وأنت لا تجنى من الشوك العنب!!

http://www.ahram.org.eg/News/202337/4/605654/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A5%D9%86%D9%83-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%AC%D9%86%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%88%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A8.aspx

Recent Posts

Leave a Comment