In In Arabic - بالعربي

سعيد فايز ـ

في مصر، لا تُنتهك حرية العقيدة لأنها غائبة عن الدستور، بل لأنها حاضرة فيه بقوة… وغائبة عن إرادة التطبيق.

فالدولة التي تنص في دستورها على أن «حرية الاعتقاد مطلقة»، هي ذاتها التي تتعامل مع التحول الديني من الإسلام إلى المسيحية باعتباره خطرًا يجب احتواؤه، ليس حقًا يجب حمايته.

التحول الديني ليس جريمة، ولم يكن يومًا كذلك في أي نص من نصوص القانون المصري. لا في قانون العقوبات، ولا في القوانين المكملة، ولا حتى في لوائح الأحوال المدنية. ومع ذلك، يُعاقَب المتنصّر عمليًا دون حكم، ودون محاكمة، ودون نص. عقوبته الوحيدة أنه قرر أن يكون صادقًا مع نفسه.

المفارقة الصادمة أن الدولة لا تقول صراحة: «التحول الديني ممنوع»، لكنها تتصرف على هذا الأساس. فتُغلق المسارات القانونية، وتُفتح المسارات الأمنية. يُستدعى المواطن لا بصفته صاحب حق، بل بصفته صاحب مشكلة. يُسأل عن دوافعه، ونواياه، وخلفياته، وكأن الإيمان جريمة تحتاج لتبرير.

المادة (64) من الدستور المصري واضحة لا تحتمل تأويلًا: حرية الاعتقاد مطلقة.

والمطلق في القانون لا يُقيّد بتعليمات، ولا يُدار بمنطق «المصلحة»، ولا يُعلّق على رضا الأجهزة. لكن الواقع يقول إن هذه الحرية «مطلقة» فقط في اتجاه واحد، أما الاتجاه الآخر فله حسابات مختلفة.

هنا لا نتحدث عن دين، بل عن دولة قانون.

الدولة التي تسمح لمواطن بتغيير معتقده شفهيًا، لكنها تمنعه من إثبات ذلك في أوراقه، هي دولة تطلب من مواطنيها أن يكذبوا كي يعيشوا. والدولة التي تُدخل الضمير الإنساني في دائرة الاشتباه الأمني، تفقد حيادها قبل أن تفقد احترامها.

الخطر الحقيقي ليس في التحول الديني، بل في تحويل الحقوق إلى ملفات، والمواطنين إلى قضايا، والدستور إلى لافتة. فحين يصبح الإيمان شأنًا أمنيًا، تتحول الدولة من حارس للحرية إلى وصي على الضمير.

والسؤال الذي لا يمكن الهروب منه:

إذا كان التحول الديني حقًا دستوريًا، فلماذا يُدار كجريمة؟

ومن الذي يخالف الدستور فعلًا: المواطن الذي غيّر معتقده، أم الدولة التي ترفض الاعتراف به؟

_____________________________________________

(*) محامٍ بالنقض ـ باحث دكتوراه في القانون الجنائي

https://www.facebook.com/said.fayaz.7

Recent Posts