In In Arabic - بالعربي

– نبيل عبد الملك

كلنا نعلم ان وصايا اللّٰه في أساسها تتعلق بالعلاقة التي يريدها الله بينه وبيننا من جهة، والعلاقة بيننا البعض. ففيما يتعلق بالشق الأول، نقرأ: “أن الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ….” وغيرها من وصايا (خروج ٢-١٣ :٢٠ ). أما فيما يتعلق بعلاقة الناس بعضهم ببعض، فنجده – مثلاً – في الوصايا: “أكرم أباك وأمك … لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشته بيت قريبك، لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده … ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك ….” (خروج ١٢-١٦ :٢٠)، فإذا ما انتقلنا إلى معاملة الغريب: نقرأ الوصايا: “ولا تضطهد الغريب ولا تضايقه … لا تسئ إلى أرملة ما ولا يتيم. إن أسأت إليه فإني إن صرخ إليّ أسمع صراخه. ..” (خروج ٢١ :٢٢-٢٣)، و “لا تحرف حق فقيرك في دعواه.” (خروج ٦ :٢٣)، وهكذا. وحتى للعبد في وصايا اللّه مكان، أي حقوق: “وإذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده يُنتقم منه.” (خروج ٢٠ :٢١).

كل هذه الوصايا وغيرها بشقيها، جمعها السيد المسيح، كلمة اللّه المتجسد، في هاتين الوصيتين: “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك …، … تُحب قريبك كنفسك…. “(مت ٢٢:٢٤).

والملاحظ هنا أن السيد المسيح بدأ هاتين الوصيتين العظميين بفعل “تُحب“، وهنا مفتاح تنفيذ الوصية، أو احترام حقوق اللّه وحقوق الإنسان، في آن واحد. فالوصية لا ينبغي ان تنفذ بغصب إنما بحب، لتترجم عن إيمان معاش فعلاً. لذلك جعل السيد المسيح حبنا له مشروطاً بحفظ وصاياه، إذ قال: “إن كنتم تحبونني فأحفظوا وصاياي.” (يو ١٥:١٤) أي حقوقه.

وإذا كنا نتذكر قول السيد المسيح: “تحب قريبك كنفسك”، فيجب ان نضيف إليها تأكيده الصريح على هذا الحب، في قوله: “وصيّة جديدةً أنا أعطيكم أن تُحبوا بعضكم بعضاً… .” (يو ٢٤ :١٣). ثم يضعنا أمام التحدي الكبير لكمال الوصية بالتشبه به، عندما يضيف فيقول: “كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا.”

والسؤال الذي ينبغي ان نسأله هنا هو: كيف، أو الى أي درجة، أحبنا المسيح حتى نبادل بعضنا بعضا حباً يماثل حبه لنا؟ هنا نرى المسيح مصلوباً، ونقرأ الإعلان المهيب: “… هكذا أحب اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلِك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. ” (يو ١٦ :٣).

من هذه النقطة الفاصلة في تاريخ الإنسان وعلاقته مع اللّٰه يمكن أن نستمد كل مفاهيم وقيم حقوق اللّه وحقوق الإنسان التي أخذت بعداً إلهيا جديداً عجيباً، يُمكّن الإنسان من الصمود أمام كل التحديات التي تواجهه، وتحاول ان تعرقل سلامة علاقته بالله وعلاقته بأخيه الإنسان، بوجه عام.

من هنا تبدو أهمية ان يكون فينا هذا الحب بهذا المقدار حتى نكون في وحدة مع الله. فإذا كنا هكذا حقاً في وحدة فعلية معه فسنغلب، لأنه قيل: “… إن كان الله معنا فمن علينا.” (رو ٣١ :٨). نعم، لكي نغلب ظلمة العالم، وبمعنى أدق الظلمة الموجودة في العالم – أي الأعمال الشريرة، ومنها الظلم والاستبداد والفساد بكل أنواعه – فليس أمامنا إلا شيء واحد: ان نقرّب من مصدر النور، “النور الحقيقي”، “نور العالم”، “كلمة الله الحية”، أي السيد المسيح .. أي أن نحبه ونحفظ وصاياه ونحياها، لكي ما ننير – به وبها – نحن أيضا ظلمة العالم.

حقوق الإنسان هي حقوق الضعفاء والأرامل والأيتام، والمضطهدين، والمظلومين، الذين طوبهم الرب نفسه، لتشجيعهم حتى يتشبهوا بالأنبياء، بل وبه هو أيضا، إذ قال: “طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات. “(مت ١٠-١١ :٥).

قد يرى البعض في هذه الآية وكأن المسيح يرضى عن الاضطهاد، وتلك رؤية بعيدة عن روح الآية وروح المسيح، وذلك لأن الاضطهاد ـ لا شك – شر في حد ذاته، والله لا يرضى بالشر أو الظلم. ولكن الصبر على الظلم والاضطهاد حباً في لسيح وتمسكاً به، من أجل البر، هو في الحقيقة إعلان وشهادة حيّة لأعلى درجات الإيمان التي استحقت التطويب من فم يسوع أول المتألمين. فقبول الاضطهاد من أجل البر عمل مسيحي عظيم وشهادة وفرصة فريدة لنشر الإيمان.

أما عمل من يدافع عن حقوق الإنسان اليوم في مواجهة الاضطهاد والظلم والعدوان فهو دعم معنوي للمضطهد، ومشاركة إنسانية له في آلامه حتى لا تثقل عليه، لدرجة قد تفوق قوة احتماله فتسقطه. كذلك، فإن الدفاع عن المظلوم والمضطهد هو تنفيذ لوصية الله للإنسان نحو أخيه، وهي في أساسها وجوهرها – كما رأينا – تعبر عن حب الإنسان لأخيه واهتمامه به، باعتباره عضوا في الأسرة الإنسانية، أو عضوا في “الجسد الواحد”، وهو جسد المسيح السري، أي الكنيسة جماعة المؤمنين: “فإن كان عضوٌ واحدٌ يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه. وإن كان عضوٌ واحدٌ يكرمُ فجميع الأعضاء تفرح معه.”(١ كو ٢٦ :١٢).

ولذلك يوصى القديس بولس في رسالته الى العبرانيين، قائلاً: “اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم والمذلين كأنكم أنتم أيضاً / مُذلين في الجسد. ” (عب ٢ :١٣)

__________________________________________

(*) رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان

Edited from:

https://www.facebook.com/photo?fbid=25338320192454534&set=a.565879020125328

Recent Posts