خالد منتصر ـ المصري اليوم ـ
العصاب الجماعي الذى أصاب دراويش التيار السلفي بعد افتتاح المتحف صار يمثل علامة استفهام مؤرقة عند البعض. والتيار السلفي ليس عضوًا بكارنيه، أو منتظمًا في حلقة درس في المسجد، أو خريج معهد إعداد الدعاة، ولكنه مزاج تسلل داخل النخاع الاجتماعي، وأصبح «تسونامي» هستيريا، يشكل قوة ضغط تريد تفجير النواة الاجتماعية المصرية التي غطت عليها طبقات سميكة من رمال الصحراء وغبار مقاومة الحداثة، صار كل هم هذا التيار الآن أن يستعرض عضلاته داخل المتحف، ويذبح القطة للسلطة والإدارة وكل من يفكر في أن هويتنا تعود إلى الحضارة المصرية القديمة.
بدأت القصة بمخرجة إعلانات متواضعة المستوى، تابت عن الإخراج لحسن حظنا، ودخلت مجال تدريس الأطفال لسوء حظنا، ذهبت إلى هناك قبل الافتتاح، ولأنها ناشطة على السوشيال ميديا ولها جمهور ضخم، صنعت محتوى يهاجم تماثيل المتحف، ويبث كراهيتها في النفوس، وينشر كل تخريفات وهرتلات تكفير الفراعنة، وأن ما نشاهده هو أوثان وأصنام.. إلخ.
ثم بدأت موجة ما أستطيع أن أسميها محاولات أسلمة المتحف والتحرش الديني، تحت غطاء ممارسة الشعائر والطقوس، ونشر الإسلام، وهداية السائح، ورد الغزوات الصليبية، ومقاومة حروب الردة من عبدة الأوثان الفرعونية. أناشيد دينية من فتيات محجبات داخل البهو، شاب يقرأ آيات تحكى عن كفر الفرعون، وتحذر من مغبة الافتتان به وبعصره. فيديوهات متناثرة تكيل الشتائم لتلك الحضارة التي نشرت الفسق والفجور، وافتعال خصومة ما بينها وبين دين جاء بعدها بعشرات القرون، ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد.
المشكلة أن قرون الاستشعار الأمنية تبحث عمن يطلقون عليهم ملحدين، وهم في معظم كتابتهم لم يدعوا لإلحاد، ولكنهم دعوا لقراءة مختلفة مستنيرة للدين، تحترم الزمن والتاريخ، وحتى لو فرض أن بعضهم لا ديني، أو ملحد، هل رأيتم ملحداً يحطم تمثالاً؟
الخطر كله يأتي من التيار الذي يتاجر في الدين، من سماسرة السماء، من حطم تمثال بوذا في أفغانستان وفضحونا أمام العالم، هم جماعة جهادية إسلامية. من خرج في برنامج شهير على الهواء وطالب بتحطيم تمثال أبو الهول، هو داعية سلفي. فتوى عدم عرض جثث المومياوات في المتحف هي فتوى صادرة عن شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، اضطر السادات وقتها أن يغلق قاعة المومياوات في المتحف، راحة للدماغ وابتعاداً عن إغضاب المؤسسة. تغطية تمثال عروسة البحر في الإسكندرية، كانت حملة من حزب النور. أما نجيب محفوظ وتمثاله فقد تعرض من مهندس سلفي وكادر مهم في الحزب لتكفير بأثر رجعى. اسألوا من حطم تمثال طه حسين، رائد التنوير المصري في محافظة المنيا، في زمن الإخوان. اسألوا من هو المجنون الذي صعد في سطيف الجزائر ليدمر أجمل تماثيلها في مشهد أدمى القلوب، وأبكى كل محبي الجمال.
المشاهد كثيرة وأكبر من احتمال مقال في صحيفة، لذلك لا بد أن تنتبه إدارة المتحف لهؤلاء، وأن تعرف الدولة من هو خصمها الحقيقي، الذي لن ينفعها كما يتصور البعض، وقت الشدائد، لأنهم لا يعرفون وطناً، بل يعرفون خلافة وفتوحات وغزوات، وجهاد طلب، وولاء وبراء. لا نريد أن نستيقظ على «سيكوباتى» يحمل بلطة أو فأساً ينهال بها على تاريخنا، بعنف مخزون من حقد وغل على كل ما هو متحضر، ومختلف، ومتسامح، ومحتوى.
نرجو الانتباه، فجرعة دواء الحداثة والهوية أقوى من كل مخدراتهم التي حقنونا بها سنين وسنين. نرجو الانتباه، فالبساط يسحب من تحت أقدامهم بالوعي والسوشيال ميديا والكشف والقراءة، وأيضاً ـ وهذا هو الأهم ـ بحماقاتهم. والبيزنس عندهم تطير فيه رقاب، غير مستعدين لخسارته، فقتلاهم في الجنة وقتلانا في النار، هذا هو شعارهم الذي لن يموت.
_______________________
