التضامن القبطي ـ
ردًا على ادعاءات المندوب المصري في منتدى الأمم المتحدة المعني بقضايا الشعوب الأصلية
يُعدّ منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية هيئة استشارية رفيعة المستوى تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومُكلّفة بالتعامل مع قضايا الشعوب الأصلية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافة، والبيئة، والتعليم، والصحة، وحقوق الإنسان.
عُقدت الدورة الرابعة والعشرين لمنتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية من الاثنين 21 أبريل إلى الجمعة 2 مايو 2025. وكان موضوع الدورة: “تطبيق إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية داخل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك تحديد الممارسات الجيدة ومعالجة التحديات”.
وفي هذا المحفل. تستطيع منظمات المجتمع المدني الحاصلة على صفة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مثل منظمة التضامن القبطي، المشاركة بإلقاء بيان مدته ثلاثة دقائق. وقد ألقى الباحث وأحد المتدربين السابقين لذينا، مارك بسطا، بيانًا نيابةً عن منظمة التضامن القبطي، – يمكن مشاهدة البيان هنا

تلى ذلك قيام مندوب من البعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة بالرد عليه – يمكن مشاهدة الرد هنا.

فيما يلي، تُقدّم منظمة التضامن القبطي ردودًا على خطاب المندوب. نسعى من خلال هذا البيان إلى كشف الستار عن الحقيقة سواء فيما يخص المواطنة أو الحقوق الثقافية في مصر.
مندوب مصر:
(…) أُشيد بجهودكم في رئاسة اجتماع اليوم. تُقدّر مصر مساهمة المنتدى في مناقشة القضايا المتعلقة بالشعوب الأصلية أينما وُجدت، استنادًا إلى التعريف المُتفق عليه دوليًا. كما أودُّ الإدلاء بالملاحظات التالية في ضوء بعض المعلومات المُضلِّلة التي تعرضنا لها اليوم أمام منتداكم الموقر بخصوص بلدي..
لقد شهدت مصر، على مر تاريخها، منذ الحضارة المصرية القديمة قبل الميلاد وحتى اليوم انسجامًا وتماسكًا وشعورًا مشتركًا بالهوية بين شعبها، وحافظت عليه من خلال عملية استيعاب طبيعية. إن النسيج الطبيعي للمجتمع المصري، وكذلك نسيجه المتين (؟) هو دحض حيّ للادعاءات القائلة بأن مصر تضم سكانًا أصليين. في الواقع، جميع المصريين هم، بحكم طبيعتهم، سكان أصليون لهذه الأرض التاريخية. وعليه، يشكك وفدي في المعلومات المضللة التي تداولها بعض ممثلي المجتمع المدني في هذا المحفل الموقر، والتي تدّعي عكس ذلك أن أقباط مصر هم سكانها الأصليون، في حين وُجدت مزاعم أخرى بالتمييز الديني. هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة.
الردّ :
من الغزو إلى التهميش: إنكار مصر للأقباط كشعب أصيل
إن التاريخ الحقيقي لمصر أكثر تعقيدًا بكثير من السرد المبسط المقدم أعلاه، لا سيما فيما يتعلق بمفاهيم “الانسجام” أو “التماسك” أو “عملية الاستيعاب الطبيعية”.
بدايةً، من المسلّم به أن غالبية سكان مصر المسلمين الحاليين ينحدرون من مسيحيين مصريين (أي أقباط) الذين “اعتنقوا” الإسلام على مدى أربعة عشر قرنًا تلت “الفتح” العربي الإسلامي. ومع ذلك، تزخر السجلات التاريخية بفصول مظلمة توثق الطبيعة القسرية والعنيفة لعملية التحول هذه. في كثير من الحالات، اضطر المتحولون ليس بتغيير دينهم فحسب، بل للتخلي تدريجيًا عن تراثهم الثقافي المصري القديم، وتبني لغة وعادات الحكام الأجانب المتعاقبين، ثم اختلطوا بموجات الاستعمار المتعاقبة – العربية، والتركية والكردية وغيرها. وبالتالي، فبينما قد لا يكون الأقباط هم السكان الأصليين الوحيدين عرقياً في مصر، إلا أنهم بلا شك السكان الأصليون ثقافيًا للبلاد. فمن خلال ممارساتهم الدينية المستمرة – المتجذرة بعمق في التقاليد المصرية القديمة، من اللغة والموسيقى الليتورجية إلى الرمزية الطقسية – حافظ الأقباط على هوية ثقافية تعود إلى ما قبل الفتح العربي بزمن طويل..
وقد كان من الممكن أن تظل هذه الاعتبارات التاريخية والثقافية موضوعاً للنقاش الأكاديمي فحسب ــ متروكة للمؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا لدراستها – إلا أن هناك واقعاً مُلحاً يتمثل في التمييز الممنهج الذي يتعرض له الأقباط في مصر في ظل الأنظمة المتعاقبة على أرضهم.
الحقيقة هي أن الدولة المصرية اليوم تعمل إلى حد كبير لحساب الأغلبية المسلمة، وغالبًا ما تستبعد التعددية الحقيقية والمساواة الكاملة أمام القانون. على سبيل المثال، لا يزال الأقباط ممثلين تمثيلاً ناقصًا للغاية في مؤسسات الدولة. فهم يشغلون أقل من 2٪ من المناصب الحكومية العليا، والتعيينات القضائية، أو الأدوار القيادية في الجامعات الحكومية والجيش، على الرغم من أنهم يشكلون ما يقدر بنحو 12-15٪ من السكان. وقد وثقت تقارير منظمات مثل اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية (USCIRF). ومنظمة هيومن رايتس ووتش هذه الأنماط مراراً، كما وثقت عنف الغوغاء ضد المسيحيين الذي طالما مر دون عقاب بسبب جلسات الصلح المحلية التي تستخدم كبديل للإجراءات القانونية الرسمية.
باختصار، تم التراجع بشكل منهجي عن محاولات القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لبناء دولة حديثة تحترم التعددية وتقوم على أسس المواطنة الكاملة – والتي تمثلت في العديد من الشخصيات القبطية والحركات الوطنية الشاملة للجميع – في العقود الأخيرة، لا سيما بعد صعود الإسلام السياسي والسياسات الأمنية التي تنتهجها الأنظمة المتعاقبة. ونتيجةً لذلك، يعيش الأقباط اليوم كمواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم الأم، مهمّشين اجتماعيًا ومؤسسيًا.
راجع:
The Coptic Identity: Recognizing the Coptic Indigenous Peoples Status for Protection from State-Sponsored Discrimination
• Coptic Solidarity Annual Analysis of the State Department’s International Religious Freedom Report on Egypt
______________________________________
مندوب مصر:
“يضمن دستور مصر وتشريعاتها تمتع جميع المصريين بحقوقهم كاملةً ومتساوية، بغض النظر عن هويتهم الدينية أو معتقداتهم. وفي هذا الصدد، لا أساس للادعاءات بتقييد الحرية الدينية أو الإكراه على تغيير الدين في مصر.
الرد:
الأقباط متساوون نظريًا، غير متساوين عمليًا: المواطنة والحقوق الثقافية في مصر
في حين أن الدستور المصري ومعظم التشريعات يضمنان ظاهريًا المساواة لجميع المواطنين بغض النظر عن دينهم، فإن هذه الضمانات تُقوّض فعليًا بموجب المادة الثانية من الدستور، التي تُحدد الإسلام كدين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية كالمصدر الرئيسي للتشريع. ويعد هذا البند مسؤولا عن تأصيل فكرة المواطنة متعددة الدرجات حيث تُعطى الأولوية للمعايير الإسلامية في التشريع والسياسات العامة، وعادة ما يكون ذلك على حساب الأقليات الدينية.
علاوة على ذلك، فإن الضمانات الدستورية والقانونية – مهما بلغت درجة إتقان صياغتها – لا تُترجم تلقائيًا إلى ممارسة عملية. في الواقع، يتعرض الأقباط بانتظام لانتهاكات لحريتهم الدينية ويفتقرون إلى الحماية المتساوية أمام القانون. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك قضية سعاد ثابت، وهي امرأة قبطية مُسنة جُردت من ملابسها وعرضت على الملأ من قبل حشد في المنيا عام ٢٠١٦، إثر اتهام كاذب بعلاقة بين ابنها وامرأة مسلمة. ورغم الاحتجاج الشعبي والغضب الجماهيري، تمت تبرئة الجناة، وحُرمت السيدة في النهاية من العدالة بعد استنفادها جميع السبل القانونية في المحاكم – وما هذا إلا مثال صارخ على ثقافة الإفلات من العقاب التي تصحب أعمال العنف ضد الأقباط.
إضافةً إلى ذلك، تُطبّق المادة 98 (و) من قانون العقوبات المصري، المعروفة عادةً بقوانين “ازدراء الأديان”، بشكل غير متناسب. وتُستخدم هذه القوانين بشكلٍ شبه حصري لحماية الإسلام من الانتقادات الحقيقية أو المتصورة – حتى لو كانت طفيفة أو أكاديمية – وكثيرًا ما استُخدمت لاضطهاد الأقباط، بل وأحيانًا المسلمين ذوي التوجهات الإصلاحية. وقد صدرت أحكام ضد أفراد بالسجن بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أعمال فنية، أو آراء لاهوتية اعتبرتها السلطات “مهينة” للإسلام، بينما نادرًا ما تواجه الهجمات التحريضية على المسيحية أية ملاحقات قضائية.
ومن هنا نجد أن هذه القضايا والقوانين مجتمعةً تتناقض مع الرواية التي طرحها الوفد المصري، وتُظهر نمطًا متسقًا من التمييز القانوني والمؤسسي. مما يظهر انتهاكا صريحاً للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، مثل الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تُعد مصر طرفًا فيها.
راجع:
Door of justice slammed shut in high-profile sectarian case, Thabet now faces civil suit from men who assaulted her
• The Criminal Saga of ‘Disappeared’ Coptic Girls Continues Unabated
• Little Christian Girl Stoned for Eating During Ramadan
• Coptic Man Hacked to Pieces and Dumped in Cairo Canal
__________________________________
مندوب مصر:
أصدرت مصر مؤخرا تقريرها الوطني حول الحريات الدينية والذي يتضمن معلومات محدثة عن الزيادة في إنشاء أماكن العبادة، وخاصة الكنائس، خلال العقد الماضي.
الرد:
كلام مثالي نظريًا، ولكن متحيز عمليًا: سجل مصر في حقوق الأقليات
يُبرز إصدار القانون المصري حول بناء الكنائس (القانون رقم 80 لسنة 2016)، بدلًا من قانون موحد لجميع دور العبادة، الإطار القانوني التمييزي للدولة تجاه الأقليات الدينية. وبينما قُدّم القانون كخطوة للأمام، إلا أنه في الواقع يُرسّخ لعملية فصل وعدم تكافؤ بين الأغلبية المسلمة والطوائف المسيحية التي تسعى إلى بناء أو ترميم دور عبادتها. وقد اتسم تطبيق القانون بالبطء والغموض. فمن بين حوالي 3730 طلبًا مُقدّمًا لتقنين الكنائس القائمة بالفعل – العديد منها قائم منذ عقود أو حتى قرون – لم يتم منح سوى 2973 طلب موافقة مشروطة – اعتبارًا من يونيو ٢٠٢٣ – رهنًا بمتطلبات إضافية، مع حصول عدد أقل بكثير على تصاريح نهائية. وفي الوقت نفسه، أُغلقت كنائس في قرى مختلفة بسبب ضغوط الجماعات المتطرفة أو الاتفاقيات الناتجة عن جلسات الصلح العرفية، كما أنه في كثير من الأحيان، يتم رفض منح تصاريح البناء أو إعادة الافتتاح بشكل تعسفي.
وقي حال الموافقة على البناء، غالبًا ما يتم ذلك في المناطق الجديدة، مما لا يُسهم كثيرًا في سد النقص الحالي في المناطق الريفية والمناطق ذات الكثافة المسيحية المرتفعة. يتناقض هذا التطبيق الانتقائي للقانون بشكل صارخ مع سهولة إنشاء المساجد. ففي مصر، يمكن لأي شخص تقريبًا بناء أو تحويل مبنى إلى مسجد، مع القليل من المقاومة البيروقراطية أو بدونها. ووفقًا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الأوقاف، كان هناك أكثر من 151,000 مسجد في مصر حتى أواخر عام 2023، بما في ذلك 13,045 مسجدًا بُني في عهد الرئيس السيسي. أما عدد الزوايا وأماكن الصلاة غير رسمية فيقدر بحوالي ما يزيد عن مليون ونصف.
وبالنظر إلى عدد سكان مصر الحالي البالغ 114 مليون نسمة، فهذا يعني أن هناك مسجدًا أو قاعة صلاة واحدة لكل 40 مسلم تقريبًا، ولكن هناك كنيسة أو دير واحد فقط لكل 2400 مسيحي. وهذه نسبة مذهلة تبلغ 1:60 من التمييز الصارخ.
راجع:
• 2023 Report on International Religious Freedom: Egypt
• What TRUE Discrimination Looks Like: Mosques vs Churches in Egypt
_______________________________
مندوب مصر:
يُعدّ الحوار المستمر بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية والمؤسسات الدينية الإسلامية في مصر حجر الزاوية في الوئام والضامن الحقيقي للتماسك الاجتماعي بين أتباع الديانتين.
الرد:
خرافة الوئام: ما لن تعترف به مصر بشأن الأقباط والمواطنة
لقد دبرت الدولة إلى حد كبير ما يُسمى بـ “الحوار” بين المؤسسات الإسلامية في مصر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية – ليس كتبادل حقيقي بين طرفين متساويين، بل كآلية لصرف الانتباه عن مسؤوليات الدولة الدستورية والقانونية. ومن خلال تصوير العلاقات بين الأديان كمسألة دبلوماسية دينية بين المؤسسات، تُحوّل الدولة فعليًا الخطاب بعيدًا عن القضايا الأساسية المتعلقة بالمساواة في المواطنة وسيادة القانون، نحو سردية رمزية تُديرها الدولة حول “الوئام الديني”.
علاوة على ذلك، فإن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، رغم كونها أكبر مؤسسة مسيحية في مصر، لا تُمثل الأقباط مدنيًا أو سياسيًا. ربما كان هذا النموذج من القيادة الدينية التي تعمل كوسيط مع الدولة مناسبًا خلال نظام الملل العثماني، إلا أنه يتعارض مع الحكم الحديث القائم على المواطنة. فالدور الأساسي للكنيسة روحي، وليس سياسيا، ولا يُمكن أن يُغني عن تفاعل الأقباط المباشر مع الدولة كمواطنين كاملي المواطنة.
إن تعامل الحكومة المصرية مع الزعماء الدينيين ــ حتى لو كان حسن النية ــ لا يشكل بديلاً عن الوفاء بالتزاماتها بحماية الحقوق الفردية والجماعية لجميع مواطنيها، بما في ذلك حقوق الأقباط، بموجب معايير حقوق الإنسان الدولية والدستور المصري.
______________________________
مندوب مصر:
ويتجلى ذلك أيضًا في إصدار القوانين التي تحكم قضايا الأحوال الشخصية، حيث تقدم الكنيسة القبطية التوجيهات للمشرعين لاتباع حكم الكنيسة في هذا المجال كما ينطبق على المسيحيين الأقباط في مصر، مع الاحترام الكامل لهويتهم الدينية وممارستهم لحرية العقيدة.
الرد:
الإيمان، في ظل القصص المفتعلة، والنضال من أجل المساواة في مصر
بينما يُشير المندوب إلى قوانين الأحوال الشخصية كدليل على احترام الهوية الدينية، إلا أن الواقع يُشير إلى أن مصر تفتقر إلى قانون مدني موحد للأحوال الشخصية يُطبق بالتساوي على جميع المواطنين بغض النظر عن انتمائهم الديني. بل تُحكم مسائل الأحوال الشخصية بأطر دينية، والأهم من ذلك، أن هذه الأطر تخضع في نهاية المطاف لسيادة الشريعة الإسلامية، كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من الدستور. وهذا يُقيد فعليًا قدرة الطوائف غير المسلمة، بمن فيهم الأقباط، على إدارة شؤونهم الشخصية بشكل كامل وفقًا لقناعاتهم الشخصية.
تعود جهود الطوائف المسيحية الرئيسية الثلاث في مصر – الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية – في محاولة صياغة قانون موحد للأحوال الشخصية المسيحية إلى ثمانينيات القرن الماضي. ومع ذلك، ورغم تلك المحاولات والمفاوضات المتكررة، إلا أنه لم يصدر أي قانون من هذا القبيل حتى الآن. ولا تزال الاعتراضات الحكومية والبرلمانية قائمة، لا سيما فيما يتعلق بالزواج بين أتباع الديانات المختلفة، والطلاق والانفصال، والمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، والتبني – وجميعها أمور مقيدة أو محظورة بموجب التفسيرات السائدة للشريعة الإسلامية. هذا الوضع يضع المسيحيين الأقباط في مأزق قانوني. وهذا لا يقوّض حريتهم الدينية فحسب، بل يحرمهم أيضًا من المساواة الكاملة أمام القانون، كما هو منصوص عليه في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي تعتبر مصر أحد موقعيها.