In In Arabic - بالعربي

مدى مصر ـ

حذاء وهاتف، هذا ما تبقى لأسرة القبطي نبيل حبشي أو «بلبل سيناء» كما يُلقبه أهالي مدينة بئر العبد في شمال سيناء منذ لحظة اختطافه في السابع نوفمبر 2020، حسبما تقول ابنته مارينا (21 عامًا) لـ«مدى مصر»، متمنية أن يجدوا رفات والدها.

 تعود مارينا بذاكرتها للساعة السابعة مساءً من هذا اليوم، لحظة سماع دوي إطلاق نار أمام منزلهم في منطقة حي الغزلان بمدينة بئر العبد، عندها تحولت حياتهم لكابوس يعيشونه حسب قولها، حين هاجم مسلحون ينتمون إلى تنظيم ولاية سيناء والدها قرب منزله واختطفوه في سيارة سرقوها من الشارع وفروا به هاربين.

في هذه الدقائق المعدودة٬ لم تكن تعرف أسرة حبشي بعد أن المصير الذي يخافه كل قبطي يعيش في سيناء أصاب أسرتهم، والمخطوف هذه المرة هو والدهم. «الجيران كلموا بيتر أخويا عادي يطلبوا منه يشوف في إيه، لأن ضرب النار كان قريب من بيتنا ولما وصل بيتر البيت لقينا تليفون وجزمة بابا في الشارع.»

استقبلت الأسرة اتصالًا من الخاطفين يطلبون جزية قدرها ثلاثة ملايين جنيه في خلال 48 ساعة وإلا سيتم ذبحه. وبعد خمسة أيام من اختطاف «بلبل سيناء»، تواصل الخاطفون مع أسرته من جديد ليرفعوا الجزية من ثلاثة إلى خمسة ملايين جنيه، قالوا إنها جزية عن أقباط بئر العبد وفدية لوالدهم، بحسب مارينا، بينما استمر التواصل مع الأسرة حتى يناير من العام الجاري قبل أن ينقطع فجأة بعد آخر مكالمة التي كانوا يحددون فيها كيفية تسليم الجزية وإخلاء سبيل حبشي.

تقدمت أسرة حبشي ببلاغات للجهات الأمنية كافة في سيناء، ولكن بلا فائدة، وحفظ البلاغ وقيد ضد مجهول. منذ لحظة الخطف أيضًا، حاولت أسرة مارينا التواصل مع مؤسسات الإعلام المصري لمساعدتهم في النشر عن قضية والدهم، «لا أحد أهتم، فقط القنوات المسيحية ومن ثم اعتمدنا على النشر على مواقع التواصل الاجتماعي. كان نفسنا نعرف أي حاجة عن أبونا أو أي حد يساعدنا»، تقول مارينا.

بعد ثلاثة أشهر من انقطاع التواصل، ظهر حبشي في فيديو قائلًا: «أنا بقالي تلات شهور مخطوف.»

وفي 18 أبريل 2021 بث «ولاية سيناء» فيديو لإعدام مواطن قبطي، يدعى نبيل حبشي (62 عامًا)، رميًا بالرصاص، ووجه التنظيم رسالة تهديد للأقباط لمساندتهم الجيش.

انقطع صوت مارينا من البكاء، أثناء حديثها عن لحظة رؤيتها وأسرتها للفيديو، حاولت تجميع بعض الكلمات لتصف ما تشعر به، ولكنها عجزت واكتفت بوصف أبيها بـ«الشهيد عند ربنا». «كل الوقت دا من ساعة ما التواصل انقطع كنا في انتظار اللحظة اللي نشوف فيها والدي معانا مرة تانية».  أضافت أنهم لم يعلموا بموت الوالد إلا من الفيديو.

اعتبرت مارينا أن عملية اختطاف والدها وقتله كانت بسبب ديانته ونشاطه الديني، لأن والدها المسيحي الديانة بنى الكنيسة الوحيدة في منطقة بئر العبد.

بعد أيام من إعلان قتل حبشي، أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل ثلاثة عناصر مسلحة وملاحقة ثلاثة آخرين ضمن خلية متورطة في مقتل مواطن قبطي يدعي نبيل حبشي، واستهداف الأقباط في شمال سيناء.

عقب إعلان مارينا خبر استشهاد والدها عبر تدوينة على حسابها بموقع فيسبوك، استقبلت مئات الرسائل من حسابات على فيسبوك، يُعرف أصحابها انفسهم بأنهم «جهاديين»، واحتوت الرسائل التي تفحصها «مدى مصر»، على تهديد بالقتل وذبحها هي وأسرتها، ورسائل أخرى تتوعدها بالسبي، مدعية تلك الحسابات أن السبيل الوحيد للنجاة لها من هذين المصيرين هو إعلان إسلامها والزواج من أحد «الجهاديين».

اختطاف وقتل حبشي ليس جديدًا في محافظة شمال سيناء، التي تشهد مواجهات دامية بين عناصر مسلحة وقوات الجيش، اشتدت في 2013. فقد قتل «ولاية سيناء»  في مارس 2021، المواطن صبحي سامي عبدالنور، الذي تم استهدافه أقصى غربي شبه جزيرة سيناء، وذلك بحسب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.

أشارت المؤسسة في بيانها إلى أن فريقها قابل أحد المزارعين المقيمين في قرية جلبانة، التي قتل فيها عبدالنور: «التكفيريين أربعة، أغلبهم صغار السن ملثمين، كانوا على موتسكلين (دراجتان ناريتان) ترقبوا القتيل بين جلبانة وبالوظة، قبل 500 متر من مدخل بالوظة، وأول ما شافوه وقفوه ونزلوه، بعد ما شافوا بطاقته وصار يترجاهم، ولكن ضربوا عليه الرصاص ومات على طول، أخذوا فلوسه وبسرعة ركب واحد منهم عربيته وسرقها وطلعوا من طرق فرعية بتغطيها المزارع ما حد عارف وين راحوا».

كما اختُطف المواطن أديب نخلة في يناير 2019 في كمين لـ«ولاية سيناء» على الطريق الدولي غربي العريش، قبل أن يعلن التنظيم -لاحقًا- مسؤوليته عن اختطافه وقتله.

وقد أدى استهداف التنظيم للأقباط في شمال سيناء لنزوح عشرات اﻷُسر القبطية عنها في مطلع 2017، قبل أن يبدأوا في العودة بحلول منتصف 2019، بعد عملية «سيناء 2018» الشاملة التي أتت بسيطرة القوات المسلحة على أطراف العريش، كما حدت من تحركات «ولاية سيناء» داخل المناطق السكانية. عودة الأسر٬ كما شرح أحمد سالم٬ مدير مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لـ«مدى مصر»، كانت أيضًا بدافع الأزمات الاقتصادية التي مروا بها بعد أن تركوا تجارتهم وممتلكاتهم.

العودة لم تكن بسبب السيطرة الأمنية والظروف الاقتصادية فقط، ولكن أيضًا بعد استهداف الأقباط في الأماكن التي نزحوا إليها خارج شمال سيناء. قبل ثلاثة أشهر من اختطاف حبشي، شهدت قرية الأبطال بالأسماعيلية واقعة اختطاف لمواطنين قبطيين اثنين من أسرة واحدة موثقة بالفيديو، تحت تهديد السلاح، وهما بخيت عزيز (63 عامًا)، وقريبه يوسف سمعان (35 عامًا)، صاحب سوبر ماركت. وقعت الحادثة في أغسطس 2020، وأفرج عنهم في يناير 2021 بعد ستة أشهر من الاحتجاز، وبعد دفع فدية مقدارها أربعة ملايين عن كل واحد منهما.

تحدث أحد أفراد الأسرة مع «مدى مصر»، رافضًا ذكر اسمه قائلًا: «إن اختطاف بخيت ويوسف لم تكن الحادثة الأولى في العائلة، بل سبقها اختطاف أسامة (28 عامًا) قبل أربع سنوات، وهو نجل بخيت، وكانت فديته عشرة ملايين جنيه، تم دفعها بالكامل، ومع ذلك انقطعت أخباره تمامًا، حتى وصلت لهم أخبار من قبل قوات الأمن والخاطفين أنه مات في عمليات تطهير جبل الحلال.»

قدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إجمالي عدد الأقباط الذين قتلوا داخل منازلهم أو في الأماكن العامة ووسائل المواصلات منذ ثورة 25 يناير حتى عام 2018 في شمال سيناء بسبب هويتهم الدينية بنحو 16 قتيلًا.

عمليات الاستهداف المتكررة للأقباط في سيناء أدت إلى اتبعهم  سلوكًا لا يعبر عنهم، حيث حرص بعض المدنيين الأقباط الذين عادوا إلى مدينة العريش بعد هجرتهم السابقة عام 2017 على التواري عن الأنظار، وغالبًا ما تضع السيدات والفتيات أغطية الرأس بغرض التخفي عن أعين المسلحين ومنع تمييزهن عن المسلمات، وذلك بحسب ما رصده فريق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وما أكده مديرها سالم في تصريحات لـ«مدى مصر».

تتكون أسرة مارينا الآن من عشرة أفراد يعيشون في شقة مكونة من غرفتين فقط. وبالإضافة إلى خسارة والدهم، فهم أيضًا خسروا كل ما يملكونه، سواء بيوتهم وتجارتهم، فممنوع عليهم دخول سيناء مرة أخرى٬ مما قد يعرض ممتلكاتهم التي تركوها ورائهم للنهب والسرقة، وهذا ما حدث أيضًا مع عائلات أخرى هُجروا وتركوا ممتلكاتهم وذلك بحسب المبادرة المصرية.

تقول مارينا: «طلبت قوات الأمن منا أن نترك سيناء في يناير 2021، بلا أي شيء نملكه من بيوتنا وممتلكاتنا، وتركتنا القوات على أحد الطرق في مدينة الإسماعيلية، بلا أي شيء.»

https://mada31.ew.r.appspot.com/www.madamasr.com/ar/2021/05/10/feature/سياسة/في-سيناء-الجزية-أو-الموت-تفاصيل-قتل-بل/?fbclid=IwAR2WBxOSnTZV432E3kov_tVZClTyc1pPwjRGy9NLOv1aQWHshdU4WYUnXYE
Recent Posts

Leave a Comment