يوسف سيدهم ـ وطني ـ
صدر عدد الأسبوع الماضي من وطني وعلي رأس صفحته الأولي مانشيت أخضر كبير يقول: مظاهرة حب في كاتدرائية ميلاد المسيح ليلة عيد الميلاد المجيد، والمانشيت يشير إلي صفحة كاملة خصصت لتغطية زيارة الرئيس السيسي للكاتدرائية لتهنئة الأقباط بالعيد، تلك الزيارة التي قوبلت بكل تقدير وفرح وارتفعت خلالها الصيحات والزغاريد تعبيرا عن حفاوة الاستقبال وعميق الحب الذي يكنه الأقباط للرئيس.. وجاءت كلمات الرئيس بلسما مطمئنا للأقباط وتأكيدا علي روح الحب والإخاء التي تجمع المصريين وتضمنت الآتي:
« البلد دي بلدنا كلنا، وستبقي كذلك دون زيادة أو نقصان لأحد, وكل واحد يبقي عارف إنه زي أخوه، لا يوجد من يملك فيها أكثر من الآخر وأي محاولة للفتن أو الوقيعة علينا أن ننتبه لها، وماتخلوش حد أبدا يتدخل بيننا أو يحاول يعمل فتنة».
ومضت التغطية التي أفردت لها صفحة تسجل الآتي: فيما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي يتحدث إلي كل المصريين من كاتدرائية ميلاد المسيح بكلمات الحب والسلام، كانت الصلوات ترتفع في كل كنائس مصر بكل ربوعها تردد أنشودة الملائكة في ليلة الميلاد: المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة.
قلبت صفحات وطني في ذلك العدد المخصص لاحتفالات الميلاد لأتوقف عند تغطية من نوع آخر تحت عنوان منع أقباط فاو بحري بقنا من الصلاة وحرق منزل وتمضي التغطية لتسجل الآتي:
** لم تمر ليلة رأس السنة بسلام علي أقباط قرية فاو بحري مركز دشنا - محافظة قنا- كان عنوانها : ممنوع دخول كهنة للقرية - وممنوع إقامة صلوات للأقباط بأمر الأمن، ورغم تكثيف قوات الأمن تواجدها إلا أن الأمر تطور إلي إشعال النيران في أحد منازل الأقباط وتدميره قبل السيطرة عليها.
** بعد صدور قانون بناء الكنائس عام 2016 تقدمت إيبارشية دشنا وأسقفها نيافة الأنبا تكلا بطلب رسمي لمحافظ قنا لبناء كنيسة جديدة علي أرض ملك الإيبارشية لخدمة أقباط قرية فاو بحري البالغ تعدادهم 4 آلاف ليس لديهم كنيسة للصلاة وأقرب كنيسة لقريتهم تقع علي بعد عشرة كيلومترات في دير الأنبا بلامون بمنطقة القصر والصياد.. ومر عام علي تقديم الأوراق دون رد بينما القانون يحدد فترة 4 شهور للسلطات لفحص الأوراق ومعاينة الموقع فإذا لم يصدر عنها رفض مسبب تعتبر الأوراق مقبولة.
** إزاء ذلك لم يجد الأقباط أمامهم سوي تجهيز مكان للصلاة بشكل مؤقت لحين صدور الموافقات الرسمية علي طلب بناء الكنيسة الجديدة -تلك الموافقات التي تأخرت أكثر من عام ولا تأتي- لكن كان الأمن لهم بالمرصاد مانعا إقامة الصلاة تماما.. ولجأ الأقباط إلي إرسال استغاثات وتظلمات إلي رئيس الجمهورية ووزير الداخلية ملتمسين إتاحة الحق لهم للصلاة في ذلك المكان في 31 ديسمبر ليلة رأس السنة وفي 6 يناير ليلة عيد الميلاد لكن دون جدوي، سوي إحكام الأمن تواجده في المكان، لمنع الاقتراب منه وتأكيده للأقباط علي رفض طلبهم إقامة قداس عيد الميلاد بالقرية.. ورضخ الأقباط تغمرهم مشاعر الإحباط والضيق وهم يتساءلون كيف يحدث ذلك وهو يخالف توجيهات السيد الرئيس الذي يؤكد في كل مناسبة علي حرية ممارسة الشعائر وأن الأقباط يعيشون في وطن يكفل حرية العقيدة في ظل دستور يتغني بالمواطنة وعدم التمييز؟
سرحت وأنا أقلب بين يدي صفحات عدد وطني وتنامت إلي سمعي صيحات الترحيب والتهليل المصاحبة لدخول الرئيس السيسي كاتدرائية ميلاد المسيح ليلة عيد الميلاد وأتأمل واقع أقباط قرية فاو بحري وهم يتابعون وقائع تلك الزيارة في التليفزيون.. وسرح بي الخيال في سيناريو افتراضي أود أن أشارككم فيه:
** الرئيس السيسي ينمو إلي علمه حال أقباط قرية فاو بحري وحرمانهم من الصلاة في ليلة عيد الميلاد فيقوم بتعديل برنامج زيارته لكاتدرائية ميلاد المسيح, ويتوجه إلي محافظة قنا ومنها إلي مركز دشنا ومنه إلي قريتهم حيث يذهب بصحبة وزير الداخلية والمحافظ وجميع المسئولين إلي الموقع الذي تحاصره قوات الأمن ويأمر بفتحه ويدعو جموع الأقباط المحتشدين للترحيب به إلي الدخول ومباشرة صلوات ليلة العيد, ويقوم بتطييب خواطرهم وطمأنتهم علي كفالة حقوقهم في إقامة شعائرهم الدينية في ذلك المكان إلي حين صدور الموافقات اللازمة لبناء كنيستهم الجديدة التي أعطي أوامره للإسراع بإنهائها طبقا للقانون.
** الرئيس السيسي يبعث إلي قداسة البابا تواضروس باعتذار عن عدم ذهابه إلي كاتدرائية ميلاد المسيح، ويقف قداسة البابا ليعلن ذلك أمام جموع الحاضرين في الكاتدرائية ناقلا لهم تهنئة الرئيس لهم بالعيد ومؤكدا حرصه علي تأكيد كل معاني الإخاء والمحبة والمساواة بين المصريين بذهابه إلي أقباط فاو بحري ليربت علي أكتافهم ويمسح دمعة المسنين والأطفال بينهم ويضع حدا لمشقة انتقالهم لمسافات بعيدة ليصلوا، مزيلا بذلك كل مشاعر القهر والضيق التي تملكت عليهم.
*** لم أدر كم من الوقت استولي علي هذا السيناريو الافتراضي، لكني صحوت منه علي أصوات التهليل والتصفيق والزغاريد القادمة من التليفزيون وتدافع الأقباط لمصافحة الرئيس وهو يغادر كاتدرائية ميلاد المسيح ليلة العيد.. وأصداء كلماته ترن في أذني: البلد دي بلدنا كلنا، وكل واحد يبقي عارف إنه زي أخوه، لا يوجد من يملك فيها أكثر من الآخر..!!
الزغاريد في كاتدرائية ميلاد المسيح .. والدموع في قرية “فاو بحري” !!